في شهر سبتمبر سنة 1990 نقل إلى ديواننا أن جميع عمال المقبرة قد رحلوا و أن القائمين عليها يواجهون مشكلة وهي عدم توفر قبور للكثير من الجثامين، و في اليوم التالي ذهبت بصحبة الوالد أطال الله في عمره و رزقه و إياكم و أحبتكم رضاه و مغفرته و أحد الخوال و صديق لي، و كنت شابا أقترب من الدخول في العقد الثامن عشر من عمري، و عندما و صلنا إلى المقبرة قابلنا الحارس الذي أرشدنا إلى موقع الحفر الذي تم تبليله بالماء حتى تسهل عملية الحفر فقصد كل منا موقعا و بدأنا الحفر
في البداية، كان شعوري لا يختلف عن حفر حفرة كالتي اعتدت أن أحفرها أيام الربيع و لكن لهيب الشمس بدأ يلقي بلسعاته على الوجه، و كلما زاد العناء توقفت عن الحفر حتى أمسح العرق من على جبيني و لا شعوريا أتلفت حولي لأرى القبور وهي مبعثرة على الأرض، و أعود للحفر و تأخذ الحفرة تتعمق شيئا فشيئا حتى بات رأسي فقط ما يظهر من جسدي إن وقفت عن الحفر لأستريح، و كلما زاد العمق تزداد معه الرطوبة و يصعب النسم، منظر مخيف حقا أن تتلفت حولك لتجد نفسك في غرفة ضئيلة تحدها حيطان من الرمل، رطوبة زائدة جدا و يكاد الهواء أن يضيع طريقه في الولوج إلى الصدر
اكتمل الحفر بعد أن تم معاينة الحفرة من الرجل المختص حتى خرجت من الحفرة لأجد الآخرين قد أنهوا حفرهم أيضا و اتجه كل منا إلى حفر حفرة أخرى، كل هذا الحفر كان في وضح النهار و منتصف الظهر صيفا بحيث غاب أفراد القوات العراقية المتواجدين آنذاك لشدة الحرارة، الحفرة الثانية لم تختلف عن أختها في وصفها، إلا أنه حدث أمر فيها ملأني نشاط، بينما كنت أحفر و كانت الحفرة قد بات عمقها يحتاج إى مجهود للخروج منها سمعت صوتا نقيا ناعما، و إذا بها إحدى الاخوات المتشحة بعباءتها تمد يدها إلي من على السطح و فيها كأسا من المياه المعدنية و قد بدأت قطرات الندى التي عليه تهطل على وجهي المغبر قالة "تفضل أخوي"، فأخذت الكأس لأشرب و شكرتها و أكملت الحفر، و من ثم خرجت لأنادي الشخص المختص حتى يعاين الحفرة و رأيت الآخرين أيضا و قد أنهوا الحفر
غادرنا المقبرة نحن الأربعة و الهدوء التام قد ساد، التعب قد أنهكنا و قبل أن نتفرق كل إلى وجهته و منزله، اتفقنا على معاودة الذهاب في اليوم اللاحق و فعلنا، و قام كل منا بحفر قبرين أيضا، و لكن عندما أتينا في اليوم الثالث بلغنا بأن القوات العراقية المتواجدة منعت الحفر من قبل المواطنين و ستقبض على من يقوم بالحفر و أنهم سيوفرون عمالا فرجعنا، و بعد مضي أسبوعين أو ثلاثة ذهبت إلى المقبرة لحضور دفن أحد الموتى رحمة الله على موتى المسلمين جميعا حتى أرى بأن القبور الستة عشر التي حفرناها باتت مسكونة بجثامين ثلة من شهداء الكويت رحمة الله عليهم و وفياتها
مضت السنون و أنا الآن مشرف علىإكمال السنة السادسة و الثلاثين من عمري و لن أنسى جميع الصور الحسية التي رأيتها و اللحظات التي عشتهاا
ليت من يتشبثون بالدنيا و كراسيها و صولجاناتها و أموالها يجربون ذالك علهم يتعلمون أن نهاية المطاف هو تلك الحفرة المقفرة فيتقون الله في أمور و أحوال الناس
ليت من يقصد تدنيس أعراض بنات الناس أن يلقي بنظرة إلى تلك الحفرة التي ستحضن بدنه في النهاية
ليت من لوث دماء المجتمع بمخدراته أن يشم رائحة تلك الحفرة و ترابها
ليت من يظلم الضعفاء ينزل في هذه الحفرة حتى يوقن أنه الأضعف
ليت من يسعى إلى الكرسي الأخضر يجلس في تلك الحفرة لدقيقة حتى يخشى الله فينا
ليت و ليت و ليت و ليت
الله يجزيكم خير الجزاء على ما قمتم به
ReplyDeleteوأعتقد بأن عملكم قد ساهم في بناء شخصكم الكريم وفي تحديد توجهكم في الحياة
هنيئا لمن يتعظ من المواقف التي تمر عليه بحياته
وعسى أن نتعظ جميعا ويهدينا الله عز وجل إلى ما فيه الخير لنا وأن ينير بصائرنا إلى رؤية الحق ويرزقنا اتباعه
يانغ من الذين يحبون زيارة القبور دائما لما فيه من فضل وبركة ولما فيه من تهذيب للنفس وتذكرة دائمة بالموت
وياخذ اليهال معاه
صج زيارة القبور
Humbles you big time
الله يطيل في أعماركم وأعمار من تحبون وأعمار زوار مدونتكم الكرام بما فيه الخير ويرحم أمواتنا وشهداؤنا وأموات الجميع ويجعل قبورهم روضة من رياض الجنة ولا يجعلها حفرة من حفر النار
بوستك يفتح العين ويرقق القلب
ليتنا كلنا نأخذ وقفة مع أنفسنا ونتذكر بأننا من التراب خرجنا وإليه نعود ولن نصحب معنا إلا أعمالنا
اللهم سترك ولطفك ورضاك
أحسنت يا بو محمد وكثر الله من أمثالك
وحفظ لك ذريتك وبارك فيها
جزاك الله خير
ReplyDeleteو الرجال قليل
قال رائع
ReplyDeleteيزاك الله كل خير
Yin
ReplyDeleteآمين اختي و إياكم إن شاء الله و سائر المسلمين
و زين يسوي يانغ، و ما يفعله عمل نبيل زاده الله نبلا و قدرا بعمله
أكيد اختي، زيارة القبور تقتل النفس الامارة بالسوء و تحيي النفس المطمئنة
و لا يسعني إلا أن أسأل الله العلي القدير أن يستجيب لدعائكم استجابة عاجلة برحمته و لطفه و كرمه لنا و لكم و لجميع المسلمين إن شاء الله
اختي احنا أرواح و أفكار و احساسيس، كلنا نستفيد من بعض، نشيل بعض في هذه الدنيا الدنية، و لا خير في من لا خير له في الناس
الله يلطف بالجميع و يرشى عن الجميع
أحسن الله إلكم و إلى جميع المسلمينو حفظكم و حبايبكم و الجميع من كل سوء و شر
دمت و الأهل و الأحبة برعاية الله
-----
مطقوق
ولك إن شاء الله و لسائر المسلمين من الجزاء خيره إن شاء الله
و أنت منهم يا بو سلمى
ما عليك زود حبيبي
دمت و الأهل و الأحبة برعاية الله
-----
why me
مشكورة اختي الغالية
و لك إن شاء الله من خير الجزاء بإذن الله
دمت و الأهل و الأحبة برعاية الله
-----
فريج سعود
و أنا لا أخالفك الرأي إطلاقا
مشكور حبيبي
آمين رب العالمين
و يرزقك و جميع المسلمين من كل خير أحاط به علمه و يصرف عنك و جميع المسلمين كل شر أحاط به علمه
دمت و الاهل و الأحبة برعاية الله
زيارة المقابر تفعل الكثير
ReplyDeleteالجلوس عند القبر واستجلاب الذكريات ومقارنة الحال يفعل الكثير
ادراكنا كم كبرنا
كم تعثرنا
كم اخطأنا
كم ندمنا
كم تغيرنا
وكم استحدثت امور على حياتنا
ساعات الأخطاء لا تغتفر
ولكن ربك غفور رحيم
وساعات الندم لا ينفع
ولكنه مجيب الدعاء
وساعات يتعذر تصحيح هذا الخطأ
التوبه النصوح سوف تكون بالمتناول
والله يحب التوابين الأوابين
الله يسامحنا ويعينا على طاعته
مواضيعك جدا مثرية يالشيخ
الله يجزاك معانا خير
ويثبتك قول آمين
وصباحك خير يارب
إذا ضاقت بكم الصدور فعليكم بزيارة القبور.
ReplyDeleteأحلى مكان أروحله,
تدري عاد أرتاح بالمقبرة أكثر من أي مكان بالعالم.
والله خليتني اشتهي اروح الحين.
تحياتي
خوشٌ
ReplyDeleteتجربة عميقة ... يزاك ربي خير
ReplyDeleteكلة بأجرة
عسى لله يرحمنا ويغفر لن اجمعين
حجر كريم
ReplyDeleteإي و الله اخوي، و لن أنساها و الله
و لك إن شاء الله من الجزاء مثله
كساك الله و الجميع بثوب الرحمة و المغفرة إن شاء الله
دمت و الأهل و الأحبة برعاية الله
صبا
ReplyDeleteمشكورة اختي و الصراحة كلامكم و الله يخجل الواحد
أقول لج شي
كلامي هذا كله ما له أي قيمة ما لم يجد قلوبا كقلوبكم تستقبله و ضمائر كضمائركم تحتويه
اللي يحب الخير لنفسه لازم يحبه للناس و الا يكون طماع
و السعادة الحقيقية هي لما الواحد يشوفها بعيون اللي حوالينه
الله يحفظج و يطول باعمار غاليينج و يدفع عنكم كل شرور الدنيا و الآخرة إن شاء الله
دمت و الأهل و الأحبة برعاية الله
فعل عظيم بجهده وبدلالاته وعظته
ReplyDeleteما اعتقد ان بامكان الكل الاقدام عليه
لأنهم من شدة تشبثهم بالموت يخافون حتى من اسمه
كلامك مؤثر لأقصى درجة
ليتنا كلنا نعمل لدنيانا كأننا نعيش أبدا ونعمل لآخرتنا كأننا نموت غدا
لو كل شخص وضع نفسه بمقام الميت واستذكر مظهره وهو ملقأ وحيد داخل الحفرة لا ونيس له سوى عمله
ما كان هذا حالنا
المسألة مسألة خيار وكل واحد يحدد أين يريد أن يكون
بو محمد جزاك الله الف خير
كنت بأمس الحاجة لقراء كلام مثل كلامك:)
كبرياء وردة
ReplyDeleteالله يجزيكم كل خير اختي و الشكر لله سبحانه و تعالى على توفيقه و ما بني آدم إلا و سيلة و المسبب هو الرحمن الحيم سبحانه و تعالى، و اللي ما فيه خير بهله ما فيه خير بنفسه و احنا كلنا إن شاء الله أهل هنا
دمت و الأهل و الأحبة برعاية الله