قال الإمام زين العابدين يوماً لأصحابه:"إخواني، أوصيكم بدار الآخرة، ولا أوصيكم بدار الدنيا؛ فإنكم عليها حريصون وبها متمسكون، أما بلغكم ما قال عيسى بن مريم للحواريين، قال لهم: الدنيا قنطرة فاعبروها ولا تعمروها، وقال: أيكم يبني على موج البحر داراً، تلكم الدار الدنيا فلاتتخذوها قرارا"

Friday, March 20, 2009

حرّك عقلك


هل مررت بلحظات ذاكرت فيها العلة الوجودية لكيانك كأنسان، هل تفكرت بقول المولى عز و جل "يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه"، تساؤلات تجبر ربط الإنسان لأداءه بوجوده و بالتالي استخلاص آلية لتطوير هذا الأداء و الإرتقاء بالذات إلى الدرجات العلى مما ينعكس أثرا على الجماعة و المجتمع و نجاح شخصية الإنسان، و لكن هناك مجريات أو عوامل بناء تسهم في تشكل الشخصية الناجحة منها إيمانية و أخرى تربوية أو اجتماعية، أي مراحل تبلور الفكرة و عوامل ترجمتها إلى أداء مفيد

العوامل الإيمانية

ترجع هذه العوامل في بناء الشخصية الناجحة كما يراه علماء التربية في القرأن إلى ثلاثة عناصر أولها تحقيق الرشد المتجسد في يقظة الفطرة بحيث يكون الإنسان الراشد قادرا على تقييم الأمور وفق ما ينسجم و فطرته، فالإنسان فطر على حب العدل و كراهية الظلم و جب الصدق و بغض الظلم وحب الصدق و بغض الكذب و احترام الامانة و تحقير الخيانة، و أما ثاني هذه المراحل هي مرحلة البصيرة، و هي ملكة من شأنها الإرتكاز على مبدأ معرفة نقطة الإنطلاق الأدائي، و صورة الأداء و طريقته، و ما هي النتائج المتوقعة من هذا الأداء، و نجد هذا في قول الرسول الأكرم صلوات الله و سلامه عليه و آله "رحم الله عبدا عرف من أين و إلى أين و في أين"، فالإنسان السوي لا يسلك طريقا يجهله أو طريقا يوقن أن منتهاه الضياع، نحن نصبح و نمسي و نردد قائلين " إنا لله و إنا إليه راجعون"، و لكن هل تفكرنا بهذه الكلمات، فإن كان مصدر وجودنا هو الوجود الإلهي كوننا المخلوقين و هو سبحانه و تعالى الخالق فقد بدأنا وجودنا من عند الله عز و جل و نسير كادحين باتجاهه راجعين إليه من رحلة الحياة و العمل ليحاسبنا عليها إما برحمة منه سبحانه و تعالى أو بنقمته و عقابه جل و علا، فالجزاء من جنس العمل، فالشخصية الناجحة هي شخصية امتلأ قلبها حبا و إيمانا بالله سبحانه و تعالى و انعكس هذا الحب على أدائها و سلوكها عن طريق تطبيق مبدا العلة و المعلول و الحساب و المراجعة و الإنتهاء و النهي، و أصبحت تخطط لغدها لأنها شخصية ليست بكسولة أو متخاذلة، بل مبادرة عاملة تدرس و تراجع التجارب و المشاريع و درجة الإستفادة منها، سواءا كانت هذه التجارب سلبية أم إيجابية، شخصية أم غيرية، و هذا أحسن الحسن، لأن ما يحدث ما هو إلا عملية تلاقح مع أحداث المجتمع و تجاربه و خبراته، و بالتالي ينتج إنسان ذو شخصية معطاءة غيرية غير أنانية، ، و أختم هذه الجزئية بقول المصطفى صلى الله عليه و آله " إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه" فليكن الإتقان روح العمل

العوامل التربوية

أولا: الإستقلال في التفكير

حلل الكلام الذي يلقى عليك و لو كان من أكبر الشخصيات، اعرضه على الموازين الفكرية و الشرعية، و لكن قبل أن تفعل ذالك و تتوغل في أمر مبهم إعرف ماهية تلك الموازين حتى لا تخطئ في عملية التقييم و لا تصبح إمعة، و حرك عقلك و خذ من كل خط ما هو صالح، و من ثم حدد الحاجات التي ستؤهلك لهذا الإستقلال و هي كما يلي

مادية: وهي أن تؤهل بدنك لحالة العمل حتى يخدمك في أدائك، فلبدنك عليك حق

اجتماعية: ادرس شرائح المجتمع و حاول الإنسجام معها في إطار اجتماعي و عملي و أدائي لأنك لا تستطيع إطلاقا إقصاؤها من حياتك أو تجاهلها و لكن يمكنك التعايش معها فإن ألفتها و ألفتك، فالرسول الأكرم صلوات الله و سلامه عليه و آله يقول " أفاضلكم أحاسنكم أخلاقا، الموطؤون أكنافا، الذين يألفون و يؤلفون"، لا تحقر غيرك كونه يختلف عنك، لا أنت بأحسن منه و لا هو باحسن منك ما لم يتحل أحدكما بسماحة أخلاق و عفة

عقلية: الجمود العقلي ليس من الصفات الفطرية للإنسان، بل على العكس، ربط العقل البشري بالتطور و التغير حتى على أضيق النطاقات، فالإنسان يعيش دوما حالة سعي دائمة للإرتقاء و لو كان هذا الإرتقاء بأقل المقادير، و إن غياب هذه الحاجة يجمد الإنسان، فيصبح معدوم الوجود علة

روحية: و هي أم الحاجات و مكمنها تجديد الهدف و تسخير كل الحاجات مصبوب في خدمتها، أي بان تكون جميع المساعي مجتمعة لتحقيق هدف، فإن غاب الهدف أصبح كل العمل عبثا، فالقدرة المادية تسخر ضمن إطار اجتماعي و منهجية عقلية ضمن الحاجة الروحية حتى يتم الوصول إلى الهدف، و يتحقق هذا عن طريق الموازنة الإتصالية، أي أن يقسم الوقت وفق مراحل تحقيق محطات هدفية تسخر لها الطاقات و يتم كل هذا تحت مبدأ تجاوز الذات، و هو عنصر مهم جدا، لأن الإنسان هنا يخرج عن نطاق الأنا إلى دائرة الفائدة الإجتماعية و يتجاوز الأنانية، فكما قال رسول الله صلى الله عليه و آله "خير الناس أنفعهم للناس" فلنعمل تحت مظلة "وتواصوا بالحق و تواصوا بالصبر"كما ورد في كتاب الله جل و علا

ثانيا: الإدارة العقلية

أي أن يكون للإنسان عقلا فوق عقله يقيمه و يهذبه و يوظفه، عقل يحاسب أفكارك إن كانت بناءه ام هدمة، و تقيم مدى حبك و بغضك للغير و تقبلك لآرائهم، و المسببات لكل ذالك، و مدى جديتها و صحتها و ثباتها، أي أن يصبح الإنسان على درجة تؤهله لنقد ذاته، فالله سبحانه و تعالى لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم

ثالثا: الخيال المبدع و التخطيط المستقبلي

هذا ما يبنى على التجارب الشخصية و تقييم الأداء الأخلاقي و العلمي و العملي، مدى ارتباط ذالك بالمجتمع، و ما هو الأثر المتروك، و هل الوجود الشخصي ذو أثر أو الأثر غائب تماما، و هل هذا الأثر سلبيا أم ايجابيا، هل نقرأ سلبياتنا و ايحابياتنا و نقوم أخلاقنتا و أداءنا بمعزل عما يدور في المجتمع، هل يتغلب العطاء على وجودك أم الفشل؟؟ أم العكس؟؟ كل هذا بمصداقية و بدون كبر

رابعا: قوة الإرادة

و هي نابعة عن الصلابة في الروح الفكرية، فمهما تعرض الإنسان للأعاصير الإجتماعية و الساسية تجده صلبا شامخا، و الصمود هنا عنصر ضروري و الدراسة الموضوعية للنقد و أوجه التعارض مع الغير أيضا ضرورة


نهاية، فلنسأل أنفسنا هذا السؤال

هل نحرص على الاستيقاظ لصلاة الفجر؟؟ لا تقول شكو هذا بالموضوع، جاوب نفسك، و قيم إجابتك وفق ما يلي

(أقف عند عهدي مع الله)

فشهادتينك عقد موثق مع الله كما هو الدستور بينك و بين الوطن

فإن كان في ذالك خلل فقومه و من ثم قوم علاقتك مع الدستور

فكيف ستحرص على ميثاقك مع بلدك إن لم تحرص على ميثاقك مع ربك؟

الوطنية ليست جنسيتك، الوطنية هي القيمة الفعلية لوجودك كمواطن

فالفاكهة الفاسدة هي فاكهة بالنهاية و لكن تشمئز منها النفوس، بينما الفاكة العطرة هي مكمن الجمال


اعلم أخي و اعلمي اختي أنكم عندما تدلون بأصواتكم فإنكم تساهمون بقرارات من شأنها التأثير على بشر مثلكم، فأحسنوا اختياركم و اتقوا الله فيهم، قبل لا تصوت بيوم روح و روحي و قفا أما روضة من رياض الأطفال، أو انظروا في وجوه الأطفال في بيوتكم، من أجلهم أحسنوا القرار و الإختيار، لا تجعلوهم يكبرون لاعنين لوقتكم و وجودكم

6 comments:

  1. رحم الله عبدا عرف من أين و إلى أين و في أين

    القمندة

    ReplyDelete
  2. بو سلمى
    يبتها من الآخر بعصارة مركزة
    أنا أشهد، القمندة كلها تكمن في كلامه صلوات الله و سلامه عليه و آله
    دمت و الأهل و الأحبة برعاية الله

    ReplyDelete
  3. كتبت فأجدت يا بو محمد و لكت كما قال ابن الجوزي "رأيت الدنيا غالباً في أيدي أهل النقائص " و اهل النقائص متسيدين لان من يوصلهم اهل نقائص ايضا ، الانسان لا يفكر الا بمتعه اللحظية ولايحب الالتزام بالموازيين و المقاييس لانه يرى فيها لمتعته الشخصية و تقليلا لها
    هذه المتع تختلف من شخص لاخر مالية / منصبية / مكانوية ...الخ يحب ان يغرق الانسان نفسه فيها حتى يبتعد عن سبيل الاحتياط فالمهم هو نفسه الانانية دائما .. نستجير بالله

    ReplyDelete
  4. Safeed
    شكرا جزيلا أخي العزيز على الغطراء و الإضافة القيمة الواقعية حقا
    أجارك الله و إيانا و سائر المسلمين من الخوض في بحور الأنا
    دمت و الأهل و الأحبة برعاية الله
    -----
    فريج سعود
    شكرا جزيلا أخي
    و أتمنى و الله و من كل قلبي
    أن يلاقي هذا الكلام وقعا و أثرا
    و أن تترجم الفقرة الأخيرة لواقع لدى الناس
    دمت و الأهل و الأحبة برعاية الله

    ReplyDelete
  5. محاسبة النفس .......شيء عظيم
    واعتقد من أهم العوامل اللي ذكرتها
    الله يعيننا على شرور أنفسنا

    ReplyDelete
  6. maha
    بالفعل أختي
    أعلن الله الجميع على كل خير إن شاء الله و جنبهم كل شر
    دمت و الأهل و الأحبة برعاية الله

    ReplyDelete