أحيانا يجد الإنسان نفسه محاطا بعالم ملؤه مؤثرات أنتجت ضغوطات حياتية، و للحصول على لحظات من الصفاء الذهني و الاستئناس تجده يترك ذالك العالم و يلجأ إلى عوالم أخرى، و بحسب شخصية الإنسان و ما يتشبع به عقله و قلبه من فكر و إحساس تتحدد طبيعة العوالم تلك، فهناك باختصار شديد مثلا من يشخص بنظره ناحية العالم الحق و هو عالم الآخرة فيجعل كل ركن من عالمه الدنيوي يحاكي ذالك العالم بكل جوانبه، و بالتالي تتولد حالة من التعلق القلبي بذالك البعيد تنعكس على سلوك الإنسان فلا تؤثر به سلبيات عالمه الحالي بل تزيد من تعلقه بالعالم الأخروي و تحفز أداءه و يظهر هذا التأثير على كل عوالم حياته الأخرى، و هناك من يلجأ إلى عالم الثمول مثلا محطما بذالك كل عوالمه الأخرى، و هناك من يلجأ إلى عالم الفكر خيالا كان بطبيعته أم علما، نظريا كان أم عمليا، فتجده يجسد أفكاره وخواطره بأسلوب و أثر سلبيا كان أم إيجابيا، هدما أم بناءا، يعالج بها سلبيات عالم الواقع فيكون صاحب علما منتجا أو فكرا بناءا إن كان فكره بناءا أو هداما إن كان بطبيعة الأثر معاكسا لذالك تماما، و هناك من يلجأ إلى عالم الذكريات، ذالك العالم العجيب، فمحطاته دائما تشهد ذهابا و إيابا، غدوا و رواحا، هناك من يغير محطات حياته بسرعة لا حد لها حتى يبتعد عنمحوره بأبعد مسافة فيصبح تأثيره شبه منعدم لمساوئه، و هناك من يتخذه نقطة تجمع مهما تغيرت رحلات الحياة فيصبح محطة إعادة تعبئة للوقود النفسي إن صح التعبير
كان يوما شتويا جميلا بكل ملامحه و صفاته حينما توقفت سيارتي بالقرب من منزل أحد الأقرباء، كانت السماء متلبسة بغيوم ناعمة، و كان رذراذ المطر يهطل برقة و نعومة، ها هي الشمس بدأت تشرق وهي متستر بحياء رافضة خلع لثام الخجل و اتخذت من تلك الغيوم جلبابا، خرج هو من منزله و سألني عن صديقين لنا كانا ليجتمعا معنا في الوقت ذاته، و بينما كنا ننقل الأمتعة من سيارتي لسيارته و إذا بهما قد وصلا، فتبادلنا السلام و لا بد من بعض الضحك و استقلينا نحن الأربعة السيارة متجهين إلى المرسى، و عندما وصلنا بدأنا نتأكد من أن كل ما قد نحتاج إليه متوفر ركبنا قاربنا، و هنا فلتعذرني لغتنا العزيزة و لتسمح لي بالتحول إلى اللهجة الكويتية كي أحكي أحداث رحلة من أجمل الرحلات التي قضيتها في عمري
طرادنا كان الختال صبة قرفه طويلة، و كانت الكبينة تفر، قام كل واحد منا يسنع الشغل و يحط كل شي مكانه عقب ما نزلنا الطراد و فلينا الصنقل عن العربانه و دقيناه سلف، تلبجن كل واحد فينا عدل و التتانه كل واحد عمل زقارته و تلثمنا و دقه دقه حركنا و النور توه يشق، المايه كانت خواهر دهنه و الهوى نعشي يرد الروح و المطر خفيف هبابه الواحد يحس فيه، الكل اخذ مكانه تفر، إلا النزغه اللي واقف صدر و ميود حبل مربوط بقلمة عند الونش بصدر الطراد، و اللي هو طبعا أخوكم، كل شوي يرشني الجاثح، مو جاثح الماي لأ! طنازة اللي قاعدين تفر، اللي يقول عدل يا تايتانك، و اللي يقول قاصرك ينحان و نصير من بواخر أوروبا و كلنا نضحك، شوي جان يقول سكونينا ترى إذا هذا ممشانا ولا باجر نوصل، لا تروح علينا المايه يا يبه، يالله تعال بأعطيه، هديت مكاني و قليت قطف زقارتي بحر و قعدت و عطاه، انتهى الكلام و سكت الكل و ما كنت أسمع طبعا إلا دوية المكاين، أطالع عيون الربع و كل واحد كانت يقول شي بعيونه إلى أن وصلنا قطعتنا اللي نبيها و كانت بعيدة شوي، منع سكونينا شوي و قام واحد طلع السن و خرابه من الخن و قله و طفت المكاين
طلعنا الخيوط و الييم و طبعا سكونينا قبل لا يسوي أي شي بلش بعادته و هو أول شي يسويه قبل أي شي ثاني، يصب له و لنا جاي، أخذ كل واحد قلاصه و نزل لثامه حدر حنجه و عمل اللي يدخن زقارته و بلشنا نسنع خيوطنا و قام كل واحد فينا أخذ له ربعه بالطراد، عقب ما قليت خيطي قمت و دخلت ريلي ببكرة الخيط و تسندت على التريج و جابلت جايي و زقارتي، سبحت بخيالات و رحت بعيد و ردت فيني الدنيا ورى و رجعتني من الكويت إلى أيام ما كنت أدرس بكالوريوس بره، اشلون كنت أسولف دوم هناك عن البحر و الحداق ، على فكره، طلعت من دنيا و دشيت دنيا ثانية، عالم ثاني عقل ثاني و قلب ثاني، أتلفت يمين و شمال و نسناس الهوى اللي يرد الروح و المطر اللي يرش البحر رش خفيف حيل هبابك تحس فيه و الا اسمع هااااااااااااا، وين رحت ؟ يسألني اللي ماخذ مكانه جبالي، قلت له سلامتك ما رحت مكان كاني هنيه، جان يقول أي هنيه يا معود؟ كشرتك اشكبرها على ويهك أنا قلت السمج يدلدغ ريولك من ينبر، ضحنا كلنا، و قال اللي يصير لي (السكوني) اللي مكانه دوم تفر و يمه الرادو شغال و يباري خيطه "يمكن أم كلثوم وهي تغني ودته بعيد، ماني خابرك تهوجس يا فلان" ، قلت و ليش ما اهوجس، انتوا ما يهوجس عندكم إلا العاشق؟، من زمان ما حسيت إن ماكو حولي إلا ماي، و من زمان ما عشت بصخة مثل اللي ألحين، و من زمان ما حسيت إني صج بحاجه إني أطلع من هموم العيشة اللي طابجه على صدر كل واحد فينا، و ثلاثتهم وافقوني و قام كل واحد فينا و جابل خيطه، و شوي بينت السمجه، و أحلى شي إن ما كان أكو أحد كلش حولنا و يوم قربت حزت صلاة الظهر صلينا و نجبنا ذاك المموش اللي يحبه قلب الواحد و تغدينا و قمت ويا صاحبنا اللي قاعد صدر و نظفنا و شلنا الغدا و غسلنا و قعدنا أربعتنا نشرب الجاي و نسولف شوي، و تالي ردينا نحدق بس الصيد كان واقف و دارت المايه و عزمنا نرد
يرينا السن و كل واحد أخذ مكانه و حركنا، بس ما ردينا على طريجنا اللي يينا منه، أشوف السكوني مجري صوب ثاني، صرخت عليه و قلت له اشفيك وين، جنه القارمن قام يخوره، قال لا يا به اصبر، مفاجأه لك و إن شاء الله ربي يتممها على خير، اش هالمفاجأه اللي بالبحر رديت عليه، أخاف متزوج حوريه و أنا ما أدري، ضحكوا و عقب شوي أشوفه دوح و منع و سألني، من متى ما باريت قراقير؟، قلت من زمان، قال لي يالله شوح الملمص، قلت: وينه؟ قال "بالخن جدام"، و وقفت صدر و هو يرد بالطراد جان يقول قل!، شحت الملمص و قعدت أير على الخراب لين صدت البيطه، علقت الخراب على الونش و شغلناه، و قمنا الثلاثة ننطر القراقير يبينون، يوم بين أول واحد و باريناه و راه الثاني و خلصنا منه بس يوم قرب الثالث شفت منظر من أحلى المناظر، القرقور كان فيه سكنين كبار يسبحون داخله بشكل دائري، شكل كان عجيب، خلصنا منهم و قلينا البيطه بحر و ما ورى بعد خلاص بندر يا يبه بندر، قال لي اللي يصير لي، هااا حداق و حدقت و قراقير و باريت، بعد شتبي؟؟، قلت أبي أطورف، جان يقول واحد منهم "هذي عاد اغسل ايدك منها"، السيف انوكل ، قلت إي والله انوكل، و يوم قربنا على الديرة اتفقنا نمر أحد الأقارب أيضا كان ناوي يروح أقواع عوهه،طبجنا عليه و سألناه و سألنا طبعا عن الصيد و قال لنا إن أثنين من الربع قصدوا الطبعانه و هم رحنا لهم هناك ، و عقب ما وصلنا المرسى و نزلنا الأغراض و الصيد، و اللي له خاطر بسمجه أخذها غير جسمة الايدام و اللي وصونا عليه الربع إن صدناه و السكون الأثنين على الخشرة نزلناهم السوق، و تحولت طلعة الحداق هذي إلى ذكرى من أجمل ذكريات حياتنا، ليش أقول حياتنا؟؟، لأسباب هي أن ثلاثة اعرفوا البحر من فتحوا عيونهم على الدنيا، و عاشوا معاه أبا عن جد، على فكره، قضوا أعمارهم فيه و كان ملاذهم من بلاوي الدنيا و مشاكلها و هم رزق بنفس الوقت، و على فكره أنا بالنسبة لهم عمرو دياب الحداق، عليمي من قلب، و صج أعترف، هم ما شاء الله عليهم نواخذه صيد و حداقه و معروفين بالأسامي و مشهود لهم، و أعمارهم الله يحفظهم لغاليينهم أكبر من عمري بسنين، اللي يصير لي كان يحدق ويا يدي الله يرحمه اللي متوفي سنة 79، ويني و وينهم، ما أطقها وياهم، أنا حدي أقواعنا بس، الصافي الله يسلمكم هو أن الأربعة ما يحدقون ألحين كلش، انحرموا من عشقهم و معشوقهم، خاصه الثلاثة اللي عمرهم كله قضوه بالبحر، الثلاثة كل واحد فيهم حاشته جلطه بعيد الشر عنكم و عن غاليينكم و انحرموا من البحر، و أنا همت على ويهي بهالدنيا و صار لي سنين حتى ما ركبت طراد ولا حدقت أقواعنا، و كل ما أقرا عن الحداق بالجرايد أضحك لسبيب أو خلوني أقول شكلين، الأول هو لما أقرا عن الحداق و الثاني لأن الغاصه اللي يصيدون السمج بالتفاقه هم يسمون عمرهم و يسمونهم حداقه، كل واحد شايل لي هامور اشبليه و الا شماهي و الا سكن صايده بتفق و يقول حادق له، الحداق يا يبه مو نقوه، الحداق رزق و حظ و توفيج
سلة ميوه
ReplyDeleteشكرا جزيلا اختي الفاضلة على هذا المديح و الإطراء، اللغة الفصحى أختي يفوق جمالها الوصف و لكن أحيانا لا تصل الصورة بما حملته من حياة إلا بنقلها على طبيعتها، و الحداق و مصطلحاته كلش مو صوب الفصحى
:-)
كلي سعادة أن الموضوع أعجبكم و تقبلي تحياتي و ترحيبي لزيارتك الفاضلة
و شكرا على الدعاء و أسأل الله أن يجعل فيه الإيتجابة إن شاء الله
و مساؤكم رضا
دمت و الأهل و الأحبة برعاية الله
-----
الزين
يصبحكم و يمسيكم بالخير اخي
عسى الكشرة و الفرحة ما تفارقكم و لا تقارق غاليينكم اختي
أنا قلت أكيد راح ايوز لج
خبري فيكم اختي تحدقون و تحبون الزفره
:-)
إي و الله اختي يا زينها و يا زين لحظاتها
لأنل حاضر اختي و بالشوفه، اللي يسأل إن شاء الله بيلاقي الجواب، أنا ما ذيلت الموضوع بالمفردات لأني ما أعرف أي المفردات اللي ما انعرف
الله يسمع منج اختي و يستجيب لدعائج إن شاء الله و لا يفرقج عن حبايبج و خلانج إن شاء الله
والدينا و الدينكم و الدين جميع المسلمين إن شاء الله اختي
إن شاء الله دوم أوقاتكم و أيامكم تفوح ببركة و رضى رب العالمين و يحفظ لكم غاليينكم من كل شر و مكروه
و الشكر لله اختي و السلام واصل و مردود
دمت و الأهل و الأحبة برعاية الله