قال الإمام زين العابدين يوماً لأصحابه:"إخواني، أوصيكم بدار الآخرة، ولا أوصيكم بدار الدنيا؛ فإنكم عليها حريصون وبها متمسكون، أما بلغكم ما قال عيسى بن مريم للحواريين، قال لهم: الدنيا قنطرة فاعبروها ولا تعمروها، وقال: أيكم يبني على موج البحر داراً، تلكم الدار الدنيا فلاتتخذوها قرارا"

Tuesday, June 30, 2009

المعاملة


قال رسول الله - صلى الله عليه و آله وسلم - ( أنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فليسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق ) رواه مسلم

لكل مكان مورد تلج إليه من خلاله الأشياء، و غياب ذالك المورد يطفي على المكان صفة الإنغلاق، الطبيعة البشرية هي طبيعة غير انغلاقية تبنى على التعامل سواءا كان هذا التعامل حسي كالبيع و الشراء و غير ذالك أو شعوري كالود و الحب و الإخاء و غيرهم، و الطريف هنا أن كل هذه الصفات التعاملية الشعورية مصدرها القلب، و القلب المقصود هنا هو القلب الوجداني و ليس ذالك العضو الذي يتكون من أذينين و بطينين أيمنين و أيسرين، و قد يشكل هنا البعض في اقتصارها على القلب و يقحم العقل كمتحكم للتصرف البشري الفعلي الشعوري و ليس الوجداني، و اقحام العقل هنا خطأ حسبما أراه لأنه و ببساطة شديدة نجد في كثير من المواقف الإنسانية ما ينافي المنطقية أو سلطة العقل، و الأمثلة كثيرة على ذالك منها دفع التبرعات مثلا، و لم أقل الزكاة و الصدقات و الحقوق الشرعية حتى لا يحتج بأنها التزامات شرعية تجبر الإنسان على مخالفة العقل، فالتبرعات مثلا خطوة عملية انسانية وجدانية بحتة تحرك عواطف من يقوم بها عن طريق ترقيق قلبه و تحرك عواطف من يستلمها عن طريق التأثر بمن قدمها و تحرك عواطف من تابعها و شهدها عن طريق استمالته لعمل يحقق السعادة لإنسان آخر مثلا، و بالتالي نجد أن الأجواء العملية لأي عملية تبرعية هي أجواء تحابب و ود يغلب عليها الطابع الشعوري القلبي لا الحسي العقلي، فالعقل يصف من يقدم جزءا كبيرا من ماله لغيره بالخاسر، إلا إذا كان لشراء ذمم أو مواقف أو تباه أو رياء، و الذي يخوض في قرى الفقر وفق النظام العقلي البشري هو الذي يضيع وقته بالتعرض لمناظر قبيحة في حين أنه من الممكن أن تصرف نفس الأموال بالتنزه في أرقى و أفخم المنتزهات العالمية و لا ضير، من خلال هذه المقدمة نجد أن القلوب هي منابع و مصادر الشعور الإنساني الدافع للعمل الطاهر الراقي


يعتبر الخلق نظام عملي بحت يعكس الإنسان من خلاله ما يختزن في قلبه من شعور، فالعمل الحسن أساسه القلب السليم و العمل السيء أساس القلب العليل، و لطالما يقع في مصائد المجتمعات من يرائي الناس بالخلق الحسن و هو يكن في قلبه أخلاقا سيئة، أحقادا كانت أم نعرات أم سفالة أم بذاءة .... إلخ، لأن النقاء و الصفاء هما الأصالة في الأشياء، و بهذا تكون بداياته التعاملية مع الناس ناجحة إلى أن يبدأ بإظهار نواياه و أحاسيسه التي تفضحه، محبة الناس تزرع شعورا راقيا في القلوب، تجعل الإنسان يحس بأنه نقي الذات، فالمحبة صفة ربانية و الكره و البغض صفة شيطانية، و قد يكسب حب الناس من يملأ جيوبهم مالا و يرقيهم جاها و يكسبهم سمعة و سلطانا، و لكن ما يفتئ أن يخسر كل هذا بمجرد انحسار القيمة العطائية لكل ما مضى


مفاتيح قلوب البشر هي المعاملة التي يجدونها بينهم، و حينما يستطيع الإنسان أن ينقي قلبه من الأضغان و الأحقاد و الشرور و حب المال و الجاه و الدنيا و السلطان و جميع ما هو زائل يستطيع أن يلج إلى القلوب و يمتلكها بخلقه و محبته، و كما أسلفت فالخلق عمل و ليس قول و لقلقة لسان كما نشاهده من الكثيرين، الإبتسامة بوجه من تقابله و اللين في القول و الرقة في التعامل ليس منقصة للإنسان بل من أعلى مراتب التعامل البشري التي أمر بها الله سبحانه و تعالى "ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك" فأدب التعامل ليس قائما على التدافع و التناحر و التقاذف و سيادة الكلمة، و لكنه قائم على عدة أمور منها ما أوصى به المصطفى صلوات الله و سلامه عليه و آله في هذا الحديث و هناك العديد منها، و كيف لا و هو من بعث متمما لمكارم الأخلاق، و كيف لا و هو من قال فيه جبار السماوات و الأرض " وإنك لعلى خلق عظيم"، فمن ينشد الخلق الحسن فيبدأ بتطهير قلبه من كل بقعة مظلمة، من كل ضغينة، من كل إحساس مشين، و إلا فلا خلق حسن ، و القلوب مريضة نتنة و الوجوه عابسة حاقدة


كانت هذه خاطرة ماطرة تكدس غمامها بمرورنا بحديث المصطفى صلوات الله و سلامه عليه و آله الذي نسأل الله العلي القدير أن يرزقنا التحلي بخلقه و التأسي بأفعاله


5 comments:

  1. مساك الله بالخير بومحمد ..

    مشكلة احيانا الشخص لا يسيطر على نفسه ..

    خصوصا ساعات الغضب , والا كرم الأخلاق وحسن المعاملة هو السبيل الأفضل للتعامل , حتى لو كانت الغاية دنيوية , فحسن المعاملة تحقق هذه الغاية ..

    دمت بخير ..

    ReplyDelete
  2. Just read a post by Safeed about the same sort of subject; religion and behavior.

    What I find great about religion(s) is their advocacy for simplicity, humbleness, and moderation, which would guarantee happiness.

    There's naturalism in religion, I guess, or a push for a more organic and simple life.

    ReplyDelete
  3. أجمعين يا رب العالمين ..

    كم افتقدت التلذذ والاستمتاع بكتاباتك لغيابي خلال الفترة الماضية ..

    ادامك الله ..

    ReplyDelete
  4. أحمد الحيدر

    هلا بالحبيب أخوي بو كوثر
    إن غاب اسمك فلم يغب طيبك
    موجود بالقلوب عزيزي

    عساك ما تفقد عزيز و غالي إن شاء الله

    و تقبل امتناني على ما ترونه في كتاباتنا المتواضعة

    شكرا أخي و أدام الله عليك و على أحبتك خيراته و رضاه إن شاء الله

    دمت و الأهل و الأحبة برعاية الله

    ReplyDelete
  5. Salah

    أسأله جل و علا أن يعيننا جميعا يا بو مهدي و ييسر أمور كل مسلمة و مسلمة إن شاء الله

    أدري و الله يا الغالي، بس تفرج بإذن الله و برحمة منه و عطف

    لو رايحين الفلبين، جان كوموستكا و"two big mac" مابوتي و تو بق ماق
    و بلابيل "يعني فلافل" و مبروك دكتور و خلصنا

    و بالنسبة للصورة، ما أدري و الله يا حجي، بس اللي ركزت عليه زوايا أجنحة الطيور اللي تمثل العين، مو مثل بعض، و هذا يخليني أرجج انها يمكن تكون صج مو تركيب، و لكن أجسام الكيور اللي شكلت العين عبارو عن داوئر متماثلة تماما تقريبا، هتي يمكن صار اللعب و تضبطت االصورة

    أنا حتى ما دققت في السايت إذا في تعليق على الصورة، على ولي حطيتها

    :-)

    دمت و الأهل و الأحبة برعاية الله
    -----
    فريج سعود

    تسلم يداك و ما خطتا
    و أحسن الله إليك و لأحبابك و ذويك و من لهم حق عليك و احسبكم الله سبحانه و تعالى عنده من المحسنين

    دمت و الأهل و الأحبة برعاية الله

    ReplyDelete