
قال رسول الله - صلى الله عليه و آله وسلم - ( أنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فليسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق ) رواه مسلم
لكل مكان مورد تلج إليه من خلاله الأشياء، و غياب ذالك المورد يطفي على المكان صفة الإنغلاق، الطبيعة البشرية هي طبيعة غير انغلاقية تبنى على التعامل سواءا كان هذا التعامل حسي كالبيع و الشراء و غير ذالك أو شعوري كالود و الحب و الإخاء و غيرهم، و الطريف هنا أن كل هذه الصفات التعاملية الشعورية مصدرها القلب، و القلب المقصود هنا هو القلب الوجداني و ليس ذالك العضو الذي يتكون من أذينين و بطينين أيمنين و أيسرين، و قد يشكل هنا البعض في اقتصارها على القلب و يقحم العقل كمتحكم للتصرف البشري الفعلي الشعوري و ليس الوجداني، و اقحام العقل هنا خطأ حسبما أراه لأنه و ببساطة شديدة نجد في كثير من المواقف الإنسانية ما ينافي المنطقية أو سلطة العقل، و الأمثلة كثيرة على ذالك منها دفع التبرعات مثلا، و لم أقل الزكاة و الصدقات و الحقوق الشرعية حتى لا يحتج بأنها التزامات شرعية تجبر الإنسان على مخالفة العقل، فالتبرعات مثلا خطوة عملية انسانية وجدانية بحتة تحرك عواطف من يقوم بها عن طريق ترقيق قلبه و تحرك عواطف من يستلمها عن طريق التأثر بمن قدمها و تحرك عواطف من تابعها و شهدها عن طريق استمالته لعمل يحقق السعادة لإنسان آخر مثلا، و بالتالي نجد أن الأجواء العملية لأي عملية تبرعية هي أجواء تحابب و ود يغلب عليها الطابع الشعوري القلبي لا الحسي العقلي، فالعقل يصف من يقدم جزءا كبيرا من ماله لغيره بالخاسر، إلا إذا كان لشراء ذمم أو مواقف أو تباه أو رياء، و الذي يخوض في قرى الفقر وفق النظام العقلي البشري هو الذي يضيع وقته بالتعرض لمناظر قبيحة في حين أنه من الممكن أن تصرف نفس الأموال بالتنزه في أرقى و أفخم المنتزهات العالمية و لا ضير، من خلال هذه المقدمة نجد أن القلوب هي منابع و مصادر الشعور الإنساني الدافع للعمل الطاهر الراقي
يعتبر الخلق نظام عملي بحت يعكس الإنسان من خلاله ما يختزن في قلبه من شعور، فالعمل الحسن أساسه القلب السليم و العمل السيء أساس القلب العليل، و لطالما يقع في مصائد المجتمعات من يرائي الناس بالخلق الحسن و هو يكن في قلبه أخلاقا سيئة، أحقادا كانت أم نعرات أم سفالة أم بذاءة .... إلخ، لأن النقاء و الصفاء هما الأصالة في الأشياء، و بهذا تكون بداياته التعاملية مع الناس ناجحة إلى أن يبدأ بإظهار نواياه و أحاسيسه التي تفضحه، محبة الناس تزرع شعورا راقيا في القلوب، تجعل الإنسان يحس بأنه نقي الذات، فالمحبة صفة ربانية و الكره و البغض صفة شيطانية، و قد يكسب حب الناس من يملأ جيوبهم مالا و يرقيهم جاها و يكسبهم سمعة و سلطانا، و لكن ما يفتئ أن يخسر كل هذا بمجرد انحسار القيمة العطائية لكل ما مضى
مفاتيح قلوب البشر هي المعاملة التي يجدونها بينهم، و حينما يستطيع الإنسان أن ينقي قلبه من الأضغان و الأحقاد و الشرور و حب المال و الجاه و الدنيا و السلطان و جميع ما هو زائل يستطيع أن يلج إلى القلوب و يمتلكها بخلقه و محبته، و كما أسلفت فالخلق عمل و ليس قول و لقلقة لسان كما نشاهده من الكثيرين، الإبتسامة بوجه من تقابله و اللين في القول و الرقة في التعامل ليس منقصة للإنسان بل من أعلى مراتب التعامل البشري التي أمر بها الله سبحانه و تعالى "ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك" فأدب التعامل ليس قائما على التدافع و التناحر و التقاذف و سيادة الكلمة، و لكنه قائم على عدة أمور منها ما أوصى به المصطفى صلوات الله و سلامه عليه و آله في هذا الحديث و هناك العديد منها، و كيف لا و هو من بعث متمما لمكارم الأخلاق، و كيف لا و هو من قال فيه جبار السماوات و الأرض " وإنك لعلى خلق عظيم"، فمن ينشد الخلق الحسن فيبدأ بتطهير قلبه من كل بقعة مظلمة، من كل ضغينة، من كل إحساس مشين، و إلا فلا خلق حسن ، و القلوب مريضة نتنة و الوجوه عابسة حاقدة
كانت هذه خاطرة ماطرة تكدس غمامها بمرورنا بحديث المصطفى صلوات الله و سلامه عليه و آله الذي نسأل الله العلي القدير أن يرزقنا التحلي بخلقه و التأسي بأفعاله