
ليكن أول شيء تكتسبه بعد الإيمان بالله أخا صادقا يحبك، فإنما مثله كمثل شجرة إن جلست في ظلها أظلتك ،و إن احتطبت من حطبها نفعك، و إن أكلت من ثمرها وجدته طيبا
قد يكون الكلام يحمل من الوضوح ما يراه البعض جليا في محتواه المعنوي أو الفكري، و لكن ارتأيت أن أضع هذه الكلمات العطرة نصب عيني و أدرسها بتعمق قدر المستطاع و بما تعينني عليه مداركي المتواضعة، و كان مما رأيت من المفاهيم ما يلي
ضرورة مبدأ الأخوة
فإننا نجد لقمان عليه السلام أوردها بعد استحكام صفة الإيمان في العقل و النفس، و نجد ذالك أيضا فيما فعله الرسول صلى الله عليه و آله و سلم عندما هاجر إلى المدينة المنورة، حيث كان من أول الأمور التي رسخها هو مبدأ المؤاخاة حين آخى بين المهاجرين و الأنصار، حتي تخلق حالة من الإنسجام و التجانس الإجتماعي أو اللحمة بين أبناء المجتمع، مررت بمقولة ذات مرة تتكلم عن الأخوة، و للأسف لا أذكر اسم الشخص الذي رواها، كان ذالك الشخص يحدث آخرا حينما سأله عن سبب تسمية الأخ أخا، و عندما تعذرت الإجابة عند الآخر أجاب السائل حينها و قال" أخ، هي صرخة ألم يستنجد بها المتألم للقضاء على ألمه"، و عندها حاولت تحليل مقولته فتوصلت إلى حقيقة و هي أن الألم قد يكون جسمانيا أوشعوريا، و في كلتا الحالتين يكون وجود الأخ المواسي ضرورة لمعالجة العلة أو تجاوزها
صفات الأخ الضرورية
شرطية الاخوة حسبما أوردها لقمان عليه السلام بنيت على الصدق و المحبة، و لكن السؤال هنا لماذا هاتان الصفتان تحديدا؟، الصدق هو شرط وجداني يحتم على الأمور نقاءها كما أرى، فهو يحرر الكلام من شوائب الكذب و النفاق و الأفعال من تلوثات الرياء و التصنع و االعقل من براثم الهوى و الشذوذ والقلب من أمراض البغض الكراهية و النفس من أمراض الحسد و الغيرة، و بذالك يتحقق مبدأ النقاء النفسي، فيصبح الأخ أو الصديق براق نجاة للإنسان، و نجد هذا في كلام الرسول صلى الله عليه و آله و سلم حين قال "عليكم بالصدق فان الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا"، و بهذا تتجلى اهمية الصدق كصفة يحملها الأخ أو تتجلى أهميتها كإحدى شرطيات مبدأ الأخوة
أما الصفة الشرطية الأخرى فهي المحبة، و المحبة اشتقاقا مصدرها الحب، و هو صفة تربط النفوس و الأفئدة و العقول برابطة وثيقة عميقة بحيث يصبح فعل أو قول أو دعوني أقول كل ما يصدر عن أي من الطرفين يحمل صفة المؤثر و انعكاسه على الطرف الآخر يحمل صفة الأثر، و من قوانين الطبيعة المسلم لها أن الأثر دائما يحمل صفة أو طبيعة المؤثر، فإذا نجد هنا أن العلاقة هي اندماج وجداني إن صح التعبير بحيث يذوب الوجود المزدوج ليكون كلا واحدا، طبعا الكلام هنا عن الطابع النفسي و الشعوري و الفكري، فالمحبة تتمثل درعا يحمي من النائبات، و دواءا يعالج من الآفات، و حصانة من النزوات، فالمحب دائما يسعى لسعادة و فائدة من يحب
و عند ربط الصفتين نجد ان الصدق صفة حياتية للضمير و العقل و الحب صفة حياتية للقلب و الوجدان و هاتان الصفتان تنافيان اللاتي تضادهن كالكذب و الحمق مثلا، فمآخاة من يحمل هذه الصفات منجاة للإنسان و استئناس بالحياة و سلامة من هولها، و مصداقا لهذا المعنى ورد عن الرسول صلى الله عليه و آله قوله " أحكم الناس مَن فرّ من جهال الناس" و شرح ذالك عند الإمام علي عليه السلام في قوله " إياك ومصادقة الأحمق، فإنه يريد أن ينفعك فيضرك" و بالتالي، الحرص على التآخي انطلاقا من مبدأ الصدق و المحبة حاجة ملحة للإنسان، غياب تلك الشروط يلغي تلك الضرورة، و هذا المعنى نجده في قول رسول الله صلى الله عليه و آله حين قال "الوحدة خير من صديق السوء" فلنحرص على انتقاء من نآخي و نصادق
و من هنا نجد لقمان عليه السلام يصف الأخ الصادق المحب بالشجرة التي يستظل بها وينتفع من حطبها و ثمرها، و اللطيف هنا هو التشبيه بالشجرة و في ذالك دلالة على تجدد المصدر و حياته، و العملية هنا متبادلة و ليست استنفاعية من جانب واحد، بل هي متبادلة كما هو الحال في نظرية الأواني المستطرقة إن صح التعبير، بحيث تتوزع تلك الصفات بين الأطراف عبر قنوات سلسة طاهرة نقية تثمر بالنهاية على مستوى متماثل من المحبة و الصدق كشرطان للأخوة الحقة
إخوتي و أخواتي، و أقولها بصدق و محبة إن شاء الله، هذا كان مجهودا متواضعا بحسب ما وفقت إليه و بما يقتضيه المقام و كلي شغف للاستزادة من كلماتكم و تعليقاتكم الثرية إن شاء الله
نهاية، أتمنى ان تحمل القلوب من الأخوة و المحبة ما يربطها برابطة وثيقة لا تضعف مهما نحتت بها أمواج الوقت و عرتها رياحه إن شاء الله
من اقرب الادعية الى قلبي
ReplyDeleteاللهم يسر لي جليسا صالحا
البوست رائع
شكرا جزيلا لك
حدائق ذات بهجة
:)
Najmah
ReplyDeleteما أجمله من دعاء اختي
أسأل الله العلي القدير أن يجعل دعاءك محلا للإستجابة إن شاء الله برحمة منه و كرم
أنا الله قلبك اختي و كلي شكر و امتنان على إضافتك
و الشكر لله اختي فما انا إلا وسيلة
جعل الله البهجة في كل طريق تسلكينه أنت و سائر المسلمين و المسلمات إن شاء الله
دمت و الأهل و الأحبة برعاية الله
-----
Yang
هلا بالعود
سلام الله على أمير المؤمنين
أحسنت أخي العزيز على هذه الإضافة القيمة و الإثراء النافع الجميل للموضوع و جعلك الله دوما و من أحببت من إخوان الثقة إن شاء الله
الثقة ثروة أخي و حفظها وظيفة ليست بالسهلة و محالها نادرة كما نفهم من الرواية
دمت و الأهل و الأحبة برعاية الله
Safeed
ReplyDeleteسلام الله على جواد العترة
أحسنت يا سفيد على هذه الإضافة المثرية حقا و الشرح الوافي حقا و التوضيح الدقيق
الفكرة هي كما تفضلت، و تجدها في كلام لقمان عليه السلام أيضا، البداية كانت بترسيخ مبدأ الإيمان بالله أولا، و من هنا تكون الإنطلاقة للإرتقاء في جميع الأمور و مبدأ الأخوة منها
تقبل مني وافر التقدير و الشكر على ما أضفت أخي
أثابك الله و جميع من أحببت و سائر المسلمين و المسلمين خيرا الدنيا و الآخرة و حفظ الجميع من شرورهما
دمت و الأهل و الأحبة برعاية الله
مساء الخير بو محمد
ReplyDeleteما شاء الله سرد جميل لموضوع اجمل
كم اعشق صداقاتي واحبها في الله
وربي يعلم كم احاول ان اجعل صداقتي تدوم وتبقى مشرقة دائما بالتواصل
يعز علي عندما اتبنى صداقة شخص ارتاح له
ان اجد انه من كثر صدقة ووضوحة
يفصح عن شيئ غريب يسميه بالصراحة وما في القلب على اللسان
شيئ يشبه ..... لا اعلم
ولكنه سوء فهم
او ربما احساسهم المرهف الذي يغطي على احساس الصداقة والحب في الله
ربما وعلى الاغلب ان اساس المشكلة اننها في بعض الاحيان ومع البعض نحاول ان نفسر الاشياء بطريقتنا الخاصة ونتوقع اشياء ونعيش عليها
ونصدم في النهاية
ولا يكون هناك مجال لان نحمل اعز اصدقاءنا على محمل الحسن
ادري تكلمت وايد
بس صج
في ناس لو تعطيهم القمر بايد والشمس بايد ما يستوعبون معنى الصداقة في الله
او الصداقة الحقيقية
للاسف
They are missing a lot
and I feel sorry for them
شكرا بو محمد على هالموضوع القيم
خليتني افش ما في قلبي
:)
سلم على العسل ام محمد
وقول لها تم قبول النداء وناطرين دخولها المسنجر
:)