قال الإمام زين العابدين يوماً لأصحابه:"إخواني، أوصيكم بدار الآخرة، ولا أوصيكم بدار الدنيا؛ فإنكم عليها حريصون وبها متمسكون، أما بلغكم ما قال عيسى بن مريم للحواريين، قال لهم: الدنيا قنطرة فاعبروها ولا تعمروها، وقال: أيكم يبني على موج البحر داراً، تلكم الدار الدنيا فلاتتخذوها قرارا"

Thursday, January 8, 2009

القيادات التعليمية

ميدان القيادة في مجال التعليم ميدان حساس جدا، فإنجازاته الإيجابية و آثاره تكون عادة بعيدة المدى، في حين أن الإخفاق في قيادته سرعان ما يحيد بالاسفينة عن وجهتها و دخول الأجيال بحور الجهل و يظهر الخلل بشكل جلي من خلال سياسات الإدارة و التخطيط و طرق التطبيق و مدى إسهاماتها في الإرتقاء بإيصال المادة التعليمية إلى الطالب و الإرتقاء بمستوى التلقي له، تقسم القيادات إلى قيادات إدارية تخطيطية وتتمثل بالوزير و نزولا بالسلم الوظيفي إلى أن نصل إلى ناظر المدرسة (المدير) و وكيلها (نائبه)، أما القسم الآخر من القيادات يصنف ضمن قيادات ذات طابع تطبيقي و تتمثل هذه القيادات بالموجهين الفنيين و المدرسين، هناك صفات خاصة تتمتع بها القيادية الإدارية تميز صاحبها و أمثلتها تكمن في المؤهل العلمي بشرط أن يكون مرتبطا بشكل مباشر بحقل التعليم لا الإدارة فقط، لأن الهدف هنا ليس منوطا فقط بالتنظيم الإداري أو الهيكل الوظيفي فقط، بل يتصل مباشرة بالمجال التعليمي فهما و تطبيقا بحيث يقرب القيادات من مجريات الأمور بهذا الحقل بصورة مباشرة فيسهل عليهم تعيين المثالب و معالجة الأخطاء و تقديم الحلول و طرح صورة رقابية قريبة تحتم على الجميع العمل بإتقان، و مما يجب على الشخصية القيادية الإدارية هو أن تتمتع هذه الشخصية بانعزال تام عن الساحة السياسية و الفكر الحزبي حتى تتحقق الحيادية في تقييم الطرح الفكري لبعض المناهج أولا و وأد أي شعور للمحاباة من شأنه خلق كارثة تعليمية عملا بما يمليه الحزب أو التيار أو التغاضي عن عيوب أدائية أو تحقيق مكاسب مادية أو خلق بعد جديد لقوة الحزب و كوادره و غير ذالك، و مما يحتم على الشخصية القيادية الإدارية أيضا هو التمتع بشخصية كاريزمية ثابته لا تهتز إن عاشت المشادات السياسية أو انتقامات المصالح أو المحاسبات الجائرة منها و العادلة، و يجب على هذه القيادات اتباع الأسس العلمية و المقاييس البحثية في جمع المعلومات الخاصة في مجال التعليم و الإبتعاد عن التزييف و الإقصاء جريا وراء تحقيق مكاسب مادية أو شعبية أو سياسية، و أخيرا يجب على الشخصيات الإدارية أن تدرك واجبها الحساس و أن تتخذ من مناصبها تكليفا لا تشريفا و أن تتحلى بالأمانة الأخلاقية و العلمية
و أما القيادات التطبيقية المتمثلة بالمعلمين و الموجهين الفنيين فهم العنصر الفاعل في الجسم القيادي حقيقة، فهي الرافد العلمي و الفكري الذي يرتشف من مناهله الطالب، قد يظن البعض أن المؤهل التعليمي للمعلم هو محور دوران أداؤه و هذا خطأ حسبما أرى، قد يلم الإنسان بعلم ما و لكنه يفتقر لفنيات متعددة تلحق الإخفاق بأدائه، تتعين هذه الفنيات بأمثلة منها إلمام المعلم بمبادئ سيكولوجية تربطه بالطالب، هذا بالإضافة إلى إلمامه بكيفية توصيل المعلومة للطالب بصورة ترسخ المادة التعليمية في ذهن الطالب عن طريق معرفة أساليب تقنية و شخصية تهيء المعلم لخلق رابطة بينه و بين التلميذ من جهة و بينه و بين المنهج الدراسي من جهة أخرى، من وضائف المعلم إيجاد أرضية تخلق جو تشجيعي مستقطب غير منفر في الفصل و البيت و تنمية القدرة الذاتية للمعلم على تعيين مواضع الضعف في ذهنية الطالب و المادة الدراسية أيضا، من واجب المعلم مشاركة الطلبة في قضاياهم و مساعدهم على تخطي كل العوائق و تقديم الإقتراحات البناءة و كسر حواجز الخوف و الخجل لدى الطالب و تشجيعه على التعاطي التعليمي و إبداء وجهات النظر و إظهار الأفكار و إزالة الحرج، و على المعلم أن يجعل من نفسه مثال علمي و أخلاقي يحتذي به الطالب شغفا و حبا لا خوفا و رهبا حتى تتوطد الصلة بين الإثنين و بالنهاية بين الطالب و المدرسة، و أخيرا ليس آخرا على المعلم الظهور بصورة تجعل الطالب يسلمه كل قدراته الإدراكية و ملكاته حتى يكتشفها و يساعده على تنميتها، أما الموجه الفني فله القدرة على تقييم المعلم و تقديم النصائح و محاسبته على التقصير بكل أمانة و ضمير حي لأنه مسؤول مسؤولية تامة لا تقبل التجاوز على تحليل شخصية المعلم و قدراته و أداءه
كان ذالك عرضا سريعا مختصرا لبعض الأفكار المتعلقة بالقيادات التعليمية و بنود تقييمية لو أخضعنا لها المعلمين المتواجدين الآن لوجدنا كل صور الخلل التي نخرت الجسم التعليمي و حطمت الأجيال، مثال للتوضيح لا الحصر مثلا تجد أن خريج كلية التربية الأساسية يوظف كمدرس جنبا إلى جنب مع خريج جامعة الكويت، و بالرجوع للمناهج الدراسية التي يتمها الخريجان نجد أن خريج الجامعة يتفوق على الآخر من حيث كم المواد التي أتمها و الإطلاع و الضلوع إن قيمنا الإثنان علميا و فنيا، و لكن الإثنان يمتهنون مهنة التدريس دون أن يدرس أحدهما نماذج نفسية و تربوية تؤهلهم لتشييد و تعبئة طريق بينهما و بين الطالب، أرجع عزيزي القارئ إلى متون المناهج لكلتا المؤسستان الأكاديميتان و ليس مسميات المقررات و ستجد ما أقصده جليا واضحا و ستستنتج أن خريجين معظم التخصصات إن لم يكن أغلبهم يفتقرون إلى أبجديات التدريس الرئيسة، و المثير للغضب هو أن الدولة لم تقم بأي مجهود لمعلاجة ذالك
سأعرض عليكم حقيقة مؤلمة، عندما أرادت الوزارة تكويت مادة الحاسوب مثلا عرضت على مدرسين الرياضيات و العلوم للمرحلتين الإبتدائية و المتوسطة الحصول على دورة في الحاسوب أهلتم لتدريس هذه المادة، أتعرفون ماهية هذه الدورة؟؟؟ كانت هي دورة مدتها ستة أسابيع يقدمها معهد نيوهورايزن بعنوان سيستم أوبريشن و برامج مايكروسوفت سوت ( أكسل و وورد و أكسس و بور بوينت) و هي خبرة يتمتع بها المفروض أي طالب مرحلة ثانوية و ليس معلم عن طريق الممارسة، و أقدم لكم صورة كوميدية يعرضها قسم التقنيات التربوية في كلية التربية الأساسية و هي مقرر دراسي يعلم الطالب استخدام البرامج سالفة الذكر و مدته فصل دراسي كامل، بما معناه أنه إن استطاع الطالب قراءة المانيول المرفق مع البرامج أو الإطلاع على بعض صفحات الشبكة المعلوماتية لاستطاع أن يختم كل ذالك بالمران في أسبوع و يتفوق علي من سلف تقديمهم في مدة قياسية
أختم قائلا بانه كان لدينا شخصية تعليمية من الطراز الأول استلمت دفة التعليم يوما ما و لكنها لم تستمر لأسباب عديدة جلية لمن أراد وضع صبعه عليها معينا ، بعضها فكري و باقيها سياسي بحت و هو المرحوم الدكتور أحمد الربعي طيب الله ثراه الذي حرمت الحركة التعليمية و التنموية لمساته الساحرة التي توقعت آنذاك أن ينهض التعليم بفعلها لدينا بصورة تثلج الصدر ، رغم أنني لم أتفق مع كل أفكاره و لكنني و ما زلت على يقين تام بأنه شخصية قيادية و تعليمية من النوع النادر الذي قد يقدر البعض بأن على رحم الحركة التعليمية من بعده الإجهاض عشرات المرات حتى ينجب مثله، علما بانه رحم ولاد، و أنا على علم بوجود عقليات علمية محل فخر و الله و كل ما تحتاجه هو فتح باب الفرص، و لكن الدولة مصرة على الإجهاض، و كل الخوف بأن يأتي يوم يتلوث به ذالك الرحم الطاهر، أو بالكويتي نصير مثل قطاوة الفرجان، خلف و قط بالشارع
أقول، أنا إنسان متفائل و أحمل أمل ضخم و أفق واسع و بإذن الله سيأتي يوم يسود فيه العقل بمجهوداتنا و مجهودات الإجيال العاقلة القادمة إن شاء الله

6 comments:

  1. احسنت اخي الكريم

    عرض رائع

    واعتقد اكبر مشكلة حاليا تتمثل فيما ذكرت عن
    .....

    ظن البعض أن المؤهل التعليمي للمعلم هو محور دوران أداؤه و هذا خطأ حسبما أرى، قد يلم الإنسان بعلم ما و لكنه يفتقر لفنيات متعددة
    ....

    نعم فالتعليم ( مهنة ) وليس وظيفه


    ...

    رحم الله الدكتور احمد الربعي وجزاك الله خير على الثناء عليه


    لقد اصبحت كل مناحي الحياة لدينا مسيسه حتى التعليم والصحة لم يسلما من ذلك

    ولك ان تتصور، ولا حاجة لنا للتصور فواقعنا المعاش خير دليل على مدى التخريب الناتج من التسييس


    نسال الله ان يقيض لنا من ينتشلنا من ذلك

    جزاك الله خير

    حفظك الله

    والله المستعان

    ReplyDelete
  2. أبو لطيف
    أحسن الله إيك أخي الفاضل
    و بالنسبة للنقاط التي ذكرتها بخصوص تسييس الحياة بتشعباتها كله صحيح، و سآتي على تسييس التعليم بتفضيل إن شاء الله عند عرض الأسباب السياسية لإخفاق التعليم إن وفقني الله لذالك
    دمت و الأهل و الأحبة برعاية الله
    -----
    مركبنا
    شكرا على المرور و إيراد نقاط جوهرية واقعية صراحة غير منكرة
    و الشق يتخيط إن شاء الله بهمة الإخوة و الأخوات إن نووا التحرك نحو تعليم أفضل، و هنا مربط الفرس
    دمت و الأهل و الأحبة برعاية الله

    ReplyDelete
  3. أخي أحمد
    أولا الله يعافيك و يخليك لغاليينك إن شاء الله
    أتفق معك في بعض النقاط في أن المدرسين كبقية موظفي أي دولة يحتاجون لجو يساعد على العطاء و لكن أختلف معك في بعض النقاط إذا تسمح لي أفندها،
    مسألة التواجد الملزم في المدرسة هذا أمر مفروغ منه، على المدرس التواجد بالمدرسة لزوما خلال ساعات العمل، هذا موجود ليس فقط في المدارس بل حتى الجامعات في المجتمعات المتقدمة التب اطلعت عليها، و ما هو الفارق بيننا و بين بقية العالم، مع العلم بأن المخرجات التعليمية لديهم أفضل من مما هي لدينا
    و بالنسبة لموضوع اللغة الإنجليزية فأنا أتذكره كأحد مجموعة نقاط أثيرت، و اللي يسمعهم يقول ماكو، العالم تمشي بالكويت و تصف البلاغة صف
    دمت و الأهل و الأحبة بأحسن الأحوال
    -----
    حلم جميل بوطن أجمل
    أتفق معك تماماو لا إضافة لدي، و بالنسبة لجزئية الكوبونات التعليمية فأنا معها إن طرحت بشكل نماذج مدرسية و ليس تعميمها على الحركة التعليمية ككل، لأن العبئ المالي قد يكون مرهقا بالنسبة لبعض الأسر، إلا إذا امتزج مع نظام التعليم الحكومي بحيث تقوم الدولة بدعمه أو دعم المتميزين من طلبة النظام الحكومي للألتحاق به
    دمت و الأهل و الأحبة برعاية الله

    ReplyDelete
  4. Safeed
    أؤيد نقاطك تماما أخي الفاضل و لنا وقفة تحليلية مع المؤثرات السياسية التي أدت للإخفاق التعليمي بمشيئة الله
    دمت و الأهل و الأحبة برعاية الله

    ReplyDelete
  5. البلد كله يحتاج الى قيادة وليس فقط وزارة التربية...

    عجبني الموضوع كبقية مواضيعك وخاصة بفكرة القيادة العملية.

    كل الموظفين بحاجة الى بعض المهارات الضرورية للقيادة.

    أحسنت

    ReplyDelete
  6. بوصلوح
    إي و الله يا اخوي
    و كلنا سعادة على نيل الموضوع اعجابكم
    و ما تفضلت به سليم جدا و ضروري
    دمت و الأهل و الأحبة برعاية الله

    ReplyDelete