قال الإمام زين العابدين يوماً لأصحابه:"إخواني، أوصيكم بدار الآخرة، ولا أوصيكم بدار الدنيا؛ فإنكم عليها حريصون وبها متمسكون، أما بلغكم ما قال عيسى بن مريم للحواريين، قال لهم: الدنيا قنطرة فاعبروها ولا تعمروها، وقال: أيكم يبني على موج البحر داراً، تلكم الدار الدنيا فلاتتخذوها قرارا"

Saturday, August 2, 2008

حدائق الحكمة 3

قال لقمان عليه السلام و هو يوصي ولده، بني
إني خدمت أربعة آلاف نبي في أربعة آلاف سنة، واخترت من كل كلماتهم ثمانية
الأربعة الأولى
إذا كنت بين الصلاة فاحفظ قلبك
.. والثانية : إذا كنت بين الناس فاحفظ لسانك
.. والثالثة : إذا كنت بين النعمة فاحفظ خلقك
.. والرابعة : إذا كنت في دار الغير فاحفظ عينك
والأربعة الأخيرة : كن ذاكراً أبداً لشيئين
الخالق، والموت
.. وكن ناسياً أبداً لشيئين
إحسانك في حق الغير
وإساء ة الغير في حقك

مقدمة
عودة أخرى مع لقمان عليه السلام في باقة من وصاياه لإبنه و نظرة عن كثب في بعض الأسس الأخلاقية و لكن بإيجاز نسأل الله العلي القدير أن نوفق لارتشاف تلك النقاوة الاخلاقية من خلال النقاط الواردة في هذه المجموعة التي تمثل محطات تهذيبية لبعض العلاقات التي ينسجها الإنسان في حياته، أولها و أهمها العلاقة مع الله عز و جل و التي تشكل نواة لمدارات كل العلائق و محور ترددها المتناقل بالتأثير المباشر حسيا و عقليا تماما كما هو التأثير حين نلقي حجرا في مياه راكدة فنجد بالتدقيق أنها تنشأ نقطة تأثيرية تتحول إلى دوائر مختلفة الأقطار تأخذ بالإتساع إلى أن تتلاشى، أي أن رحلة الإنسان الحياتية تتلاشى بتلاشي معظم تلك العلاقات و تأثيراتها و لكن تبقى علاقته مع الله التي هي أساس الوجود و مجنى الثمار التي يحملها المرء منا حين يقف في رحاب الخالق سبحانه و تعالى، فعلاقة الأنسان بالله غير منتهية و ديمومتها مقترنة بالوجود الرباني الدائم
الأفكار
تعتبر الصلاة إحدى صور ممارسة العقد أو الصك العلاقي بين العبد و الله سبحانه و تعالى، و هي إلزاما و شرطا من شروط هذه العلاقة، و الجدير بالذكر هنا ان هذه العلاقة لها خواصا متعددة، و الإستخفاف بها تضعيف لتلك العلاقة، ولها صفات ارتباطية متجانسة منها على سبيل المثال لا الحصر علاقة الرب و المربوب، و الإله و العابد، و الخالق و المخلوق و الرازق و المرزوق و العاشق و المعشوق و غير ذالك من المقترنات الصفاتية أو النعتية التي تفرد بها الله عز و جل و اكتسبها العبد بالتبعية، حينما يقف الإنسان بين يدي الله في صلاته و كله لهفة تحكم جوارحه و لبه يرتشف ندى العشق الإلهي الذي يتقاطر على قلبه فيشع نورا، يتلذذ بتلك اللحظات فيذوب في خشوع و ينسلخ عن الدنيا و ما فيها، و ترتبط حواسه بقلبه و عقله و يصيح لسان حاله قائلا لبيك يا حبيب فكلنا لك و تحت أمرك و بين يديك، و يعترف المرء منا بحاله و ضعفه فتجد كل قطعة في بدنه تعكس حقيقته قائلة أنا عبدك و مملوكك، ناصيتي بيدك و رزقي و رزق الخلائق من عندك، أنت ملجأي و ملاذي و في حماك أحط رحلي و من كريم عطائك يكون قصدي و طلبي، فلا تنظر للؤمي و قبح عملي، و انظر إلي بجمالك و جلالك، و جازني بلطفك و كرمك، و تقبل مثولي بين يديك و استكانتي و ضعفي، فأنت الغني عن عملي و أنا الفقير إلى رضاك و رحمتك و عفوك، فحفظ القلب يكون بالحرص على استمرارية فيضانه بذالك الشعور الذي لا يقبل وجودا آخر ملوثا غير الوجود الرباني في القلب، فلا ينشغل المرء منا عن الله إلا بالله
الإنسان مدني الطباع، يأبى العزلة و يستنكرها، يتحرك ضمن شبكة أو تفرعات اجتماعية تبدأ أسريا و تتسع بصورة صداقات و تفاعلات شعورية أو فكرية تضعه دائما أو غالبا في مجالس تتباين بطبيعتها من حيث الحدث أو المضمون أو غير ذالك، تضعه في وضع طبيعته الإلقاء و التلقي، و وصفه هنا يأتي بتغلب أحد الصفتين على الاخرى أو غياب إحداها و ظهور الأخرى إن صح التعبير، فيكون اللسان و السمع أداوات التعامل فيها، قد أورد العلماء أكثر من مئتي معصية تورد عن اللسان منها الكذب و القذف و الغيبة و النميمة و البهتان و الشتم و الإفتراء و أكتفي هنا بهذه المجموعة، و حفظ اللسان يقي المرء من الوقوع في المحضور حيث الوقاية خير من العلاج، و مما يوقع به اللسان أيضا هو تسفيه أصحاب الفكرة و الرأي دون الاستناد إلى دليل حسي أو عقلي لا لغرض سوى مخالفة الهوى و الذات و الشواهد هنا كثيرة نجدها بكل وضوح في المدونات التي توفر حماية للكثيرين عن طريق التخفي وراء الأسماء المستعارة حيث ينسى أصحابها بأن الله يسمع و يرى، العراك الكلامي مهانة للعقول كما أن العراك البدني مهانة للأبدان، و قد بات العراك الكلامي سمة من سمات التعامل للأسف و عند التعمق بأسبابه و دوافعه نجد بأنه لا يشكل أي دافع لها غير الهوى، فحفظ اللسان فيه صيانة للكرامة و رفعة
أعراض الناس هي كنوزها و من ثرواتها، و حفظها بغية للنبلاء، و المداينة هي صفة الحياة البشرية، فكما تدين تدان، و الاخلاقيات السوية تحتم على الإنسان احترام ذالك، فضلا عن خصوصيات المنازل التي هي محال أسرار البشر و حق لهم يهبونه لزوارهم، فلا تصبح منازلهم وأاعراضهم غرضا للخوض في أحاديث مفصلة ملؤها الدناءة و المكر
المعدة بيت الداء كما ورد عن المصطفى (ص) و وعاء لحفظ و تفكيك الإطعمة إلى مواد أولية يستفيد منها البدن و لا يتضرر منها، و حفظها يكون بالحرص على حلية ما يرد إليها نوعا و كما، فلا يحكم ذالك الجشع و الطمع، و حينها يهبط قدر الآدميين ليصبح كالأنعام بل أضل سبيلا، فكل على فطرته، و الإنسان مفطور على العقل حيث أن البهيمة أجلكم الله لا عقل لها، فيطمع بما يزيد عن حاجتة أو حرمان غيره من حقه و سلبه و التعدي على ما قسمه الله له و عندها يكون الله جل و علا هو الخصم و الحكم و قد خسر من كان الله خصما له، نرى من سرق اموال البشر يقفز هرجا و مرجا هنا و هناك و لكن يرق لحاله الفؤاد حقيقة، فهو خاسر أمام الله مهما بلغت أمواله
الذكرى تنفع المؤمنين، و من التذكر و التفكر أن يتعمق المرء في مصدرية وجوده و أصل خلقه و السببية الشرطية وراء ذالك و العودة إلى معاد لامحالة منه، إلى الخالق جل شأنه و علا مكانه حتى تعرض عليه مسيرته الحياتية بدقائقها و أحداثها ناشرة عمله على صحف مقترفاته، فالذكرى هي عودة إنابته إلى نقطة المصدر و الوجود و المطلق، و إرسال الطرف إلى نقطة العدم الوجودي للإنسان التي هي حتما مقضيا، فما بين التوحيد و المعاد يجري عمل ابن آدم وفقق أسس و نظم ارتضاها الله و وضعها و وضحها للإنسان بحيث لا يرتاب و لا يحيد في طريقه، بسم الله الرحمن الرحيم"إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً " صدق الله العظيم
أما النقطتين الأخيرتين فهما مرتبطتان بصفتين هما البعد عن الرياء و التجاوز، فالمرء منا يسمو بنفسه و قلبه و عقله حين يمارس هذا الضرب من الأخلاق، ينتابه شعور بالنقاء و ينعكس ذالك على ما يحيط به من الموجودات الكونية و الشيئية، يصبح صدره ربيعا مزهرا و عقله منيرا باهرا، و تتهذب جوارحه و يصح منطقه، و تبذر محبته في قلوب الصالحين فيصبح محل ثقة وإعجاب و نبع حنان تتردد عليه قلوبهم و نفوسهم، و يستأنس بحضوره العموم، و فوق كل هذا يرى فضل الله في هباته عليه و أهمها توضيح سبل الوصول إليه و أبرك الطرق للوفود إلى ميادين رحمته
الخاتمة
كانت تلك كلمات باح بها الفؤاد لعلها تكون لنا خير زاد، فمتى ما عمت تلك الصفات و رسمت طريق تعالملاتنا أصبحنا كقطرات الماء نقية في أصلها و طبيعتها منسجمة في تكوينها، أتمنى أن تجد لها في قلوبنا و تطبيقاتنا محال استقرار، و أن تكون حرما لي و لمن أراد النجاة من أي تيه خلقي أو تعاملي

9 comments:

  1. يعطيك العافيه يا بو حمود على هالكلمات الطيبه

    ReplyDelete
  2. مهندسنا
    الله يعافيك و يطول بعمرك يا اخوي
    ما سويت أنا شي، طيب الكلام من طيب الوصايا و لبهم و صاحبهم
    دمت بحفظ الله و عايته

    ReplyDelete
  3. بوسلمى
    الله يرحم والدينك و يعلي شأنك اخوي
    الزيادة الحقيقية هي تواجدك كما هو تواجد بقية الإخوة و الأخوات، و تواصلكم أكبر منفعة

    ReplyDelete
  4. العزيز بوحمود

    الكلام الذي يخرج من القلب بالتأكيد يدخل قلوب كل من يقرأه أو يسمعه.

    ولكن لأكن صريح معك هناك تعابير فلسفية أحتاج لاعادة قراءتها مرتين أو ثلاث لأستوعبها.

    وهذا ليس بسبب غموض النص بل لان قدراتنا محدودة، أتمنى أن تتطور مع كثرة متابعتي لمواضيعك الغنية فكريا وروحيا

    يعطيك العافية

    ReplyDelete
  5. رجل يحمل مشاعر
    الرائع هو ان أرى ذالك التعبير منك أخي العزيز، التعليق ليس بغاية و لكن التبادل الفكري هو الهدف الحقيقي و الاستفادة الجماعية هي البغية في أن نعرض ما نستفيد منه على المحور التطبيقي في حياتنا، شكرا جزيلا عزيزي و تقبل تقديري و امتناني
    دمت بحفظ الله و رعايته

    ReplyDelete
  6. تلك كنوز لقمان عليه السلام
    فحكمه لا تقدر بثمن


    طريقه شرحك لهذا الكنوز يعكس درجه تقديرك لثمنها

    :) بحث رائع

    موفق باذن المولى القدير

    ReplyDelete
  7. انا اقدر اضيف معلومة وحده .. ان سيدنا لقمان ميت من سنين ..

    لاني كنت اعتقد ان هو شارح كلماته ..

    الله يحفظك

    ReplyDelete
  8. shather
    و أي كنوز هي يا اختاه
    كنوز ربانية أسأل الله أن يهبنا جميها شيئا منها، و بالنسبة لتقديري لها و لغيرها من الوصايا ما هو إلا لأنها ما صدرت إلا حتى توفر لي و لمن مثلي النجاة في الدنيا و الآخرة
    شكرا جزيلا اختي و أسأل الله أن يحفظك و يرعاك
    -----
    مفكرنا العزيز
    الله يعافيك و ييوفقك لكل خير أخي و مشكور على تلك الكلمات الكيبة
    دمت بحفظ الله و رعايته
    -----
    molok
    يموت العظماء عزيزي ولكن يبقى أثرهم العميق في الأممة و العقول و الأخلاق لانها طيبة المصدر، و أما عن الشرح فهو في اعتقادي الشخصي ضحل حدا و لكن على قياس عقل أخوك المتواضع، سامحنا
    و أسألل الله أن يحغظك و يرعاك
    -----
    rwatan
    شكرا جزيلا اخي العزيز
    و كلنا سعادة للتوفيق له
    دمت بحفظ الله و رعايته
    :-)

    ReplyDelete