مفهوم القراءة
يمكن أن نعرف القراءة بأنها تكثيف الحواس والعقل والذاكرة عن طريق الاستعانة بمصادر متنوعة للحصول منها على زخم معرفي كماً وكيفا بحيث يتناسب هذا الزخم مع القدرات الذاتية من أجل تكامل أهداف الاستيعاب والفهم والوعي. المصدر
و في نظرة أخرى لمصطلح أو مفهوم القراء من الناحية الحسية ممكن تعريفها أنها ترجمة الرموز المكتوبة إلى كلمات منطوقة. والربط بين الرمز المكتوب ومدلوله أي: معناه الذهني ، وهي بهذا المفهوم عملية مركبة تشترك فيها العين وهي وسيلة التفرقه بين رمز مكتوب وأخر، واللسان وهي أداة النطق ، والعقل وهو أداة إدراك المعاني.
كان مفهوم القراءة محصورا في العملية الآلية: إدراك الرمز المكتوب والنطق به ، وكانت القراءة غاية في ذاتها بمعنى أن الإنسان يتعلم ليقرأ ،،،، ولكن المفهوم التقليدي تطور وأصبحت القراءة وسيلة لا غاية بمعنى أن الإنسان يقرأ ليتعلم .
وفرق هائل بين المفهومين حيث أصبحت القراءة بالمفهوم الحديث مفتاح للعلوم المختلفة فالإنسان يقرأ ليتعلم ويتفاعل مع المقروء ويتأثر به فمثلا سائق السارة الذي يقرأ لافته مكتوب عليها ممنوع الوقوف ثم يقف متجاهلا .........لم يتأثر ولم يتفاعل مع ماقرأه بالإستجابة... المصدر
و من خلال ذالك نجد أن القراءة لها أبعاد خمسة أحدها حسي و البقية إدراكية (توسعة مدارك القارئ)و هي
1. تعرف الحروف والكلمات والجمل والعبارات والنطق بها. (الآلية الحسية للقراءة)
2. استيعاب و فهم المادة المقروءة.
3. تحليل و تقد المادة المقروءة.
4. ترتيب الأثر عن طريق استخدام القراءة في حل المشكلات.
5. تقييم المادة المقروءة و الاستمتاع بها، وحسن تذوقها.
نحن نقفز من العنصر الأول إلى العنصر الخامس دون المرور بالثاني و الثالث و الرابع، ففهم المادة المقروءة يتطلب أمور عدة منها تسخير الوقت و الجهد في التمعن و التدبر و البحث إن طلب الأمر، و هنا يقع إشكال آخر و هو قابلية سوء فهم المادة المقروءة و احتمالية عدم فهمها إطلاقاهذا من ناحية، و من ناحية أخرى نجد الكثيرين لا يتمتعون بأريحية تدفعهم للإعتراف بقصور فهمهم و التوجه بالسؤال لأهل الإختصاص (و المراد هنا أهل المعرفة من أهل الإختصاص لا أهل الجهالة منهم) أو التسليم للطرح كون مصدره يتحلى برسمة معينة علمية كانت أو غيرها، أو أنهم يستنكرون السؤال إما كسلا أو استحياءا، أو أنهم لا يسألون إطلاقا لأن تأسيسهم التعليمي بني على التلقي المجرد من المتكلم دون نقاش موضوعي أو حتى تساؤل عفوي
عند الحديث عن عملية نقد المادة المقروءة فإنه جدير بنا التنويه إلى أنها عملية مترتبة على فهم المادة المقروءة و إلا فالنقد هنا غير موضوعيا و لا علميا و إنما عبثا، كما هو الحال الآن في كثير من المواضع و المناسبات، نجد أن النقد يوجه لآراء و أطروحات و حتى حقائق دون أن يبنى على معرفة مسبقة بل هوى أو لملمة لبعض الأفكار من هنا و هناك ممن يدعي المعرفة، لأن أهلية التقييم أساسا مفقودة و بالتالي معرفة و تمييز الغث من السمين غائبة أو مبهمة، فالكل يطرح و الكل يعرض و ميزان القبول و الرفض و التقيم و النقض هو الهوى و لا سواه
و النقد ينقسم إلى قسمين، نقد العرض و نقد الأطروحة، نقد العرض هو نقد الفكرة بمختلف زواياها، مثلا، طريقة عرضها و الأسلوب المستخدم لتبيانها و الاستدلالات المستخدمة لدعمها و تقييم ارتباطها بالكل الواحد للموضوع، و أما نقد الأطروحة، و هو نقد لب و أساس الفكرة أو النظرية أو المادة المعروضة، و قد تكون هذه المادة مدعمة بابحاث و تجارب إما محدودة النطاق أو متسعته، و أحد الأمور الملاحظة على ساحة القراء عندنا أنهم يتجهون إلى نقد الأطروحة مع فقدانهم الأهلية العلمية لذالك، أو تمتعهم بإلمام محدود بجوانبها و حتى جوانب حقلها، و إن كان من المنتقدين من يحمل شهادة عليا، هذا ليس عذرا عند أهل العلم الحقيقيين، لأن حمل الشهادة العليا لا يوجب الإلمام التام و لكن يحقق إلمام إلى حد معين في جزئية معينة في حقل معين من علم معين أعطيت عليه الدرجة العلمية، و هي ليست صكا لعصمة علمية أو حصانة فكرية، فعندما نسمع أو نرى شخصا يتكلم في قضية معينة في مجال معين في حقل معين في علم معين يجب علينا نقد و تحليل ما يطرحه حتى نستطيع أن نأخذ منه ما نجهله، فنحن عندما نحمل أساسيات معينة و نرى المتكلم يخالفها فكيف لنا أن نأخذ منه ما نجهله إن كان يخلط بديهيات العلم أو الطرح الذي يمثله و يبتخبط بها، و هنا قد يثار تساؤلا و هو هل المطلوب هو خوض كل بحور العلم و الإطلاع عليها و الجواب هو أنه إن تعذر ذالك فالمقدار البسيط من ضروريات العلوم مطلوب حتى نستطيع تمييز الغث من السمين أقلة من خلال أسلوب عرض الفكرة و مصادرها و ربطها ضمن توليفة فكرية، و يجب الإعتراف هنا أن المقام ضيق و المسألة تحتاج إلى إسهاب و تفصيل، و الخاتمة هنا هي أنه إذا وردت عليك معلومة عزيزي القارئ من أي شخص كائنا من كان، وافقت فكرته أو لم توافق و استهجن هضم معلومة ما منه أو أشكل عليك أو عليه بها فعليك بالبحث عن مدى صحتها، فإن كانت خطأ فبها و نعمة و رسخت فكرتك الأصلية في ذهنيتك التي عارضاه بها أساسا، و أما إن صحت عنه المعلومة بعد البحث فقد صححت معلومة في ذهنيتك و زدت من علمك و أهليتك في التقييم و القرار و البناء، و قد يولد هذا البحث فتح آفاق أخرى تضيء مسالك عدة، فلا تتزمت في فكرتك و تجعل هواك لا عقلك محرك سلوكك العلمي و العملي و تفقد بالتالي قدرتك على التقييم الصحيح و تأهيلك للبعد الرابع
أما العامل الرابع فدرجة تحقيقه مقرونة بدرجة تحقيق ما سبقه من العوامل و البنود، فهو يؤهل القارئ و لو لدرجة بسيطة من ترتيب نتيجة مستخلصة من قدر اطلاعه و قدرته على النقد و البحث، و هذه النتيجة قد تكون على أضيق الحدود بحيث تقتصر على السلوك الشخصي، و قد تتسع دائرة تأثيرها شيئا فشيئا حتى تشمل الأسرة و المحيط و المجتمع و قد تفوق ذالك إلى آفاق أخرى أوسع
و من خلال ما تم عرضه في هذه المقدمة البسيطة جدا تتضح لنا رؤية و هي أننا كأفراد و مجتمع نفتقر لأهم أبعاد القراءة و أركانها، و نسبتبل الأسلوب العلمي في اقتنائها بأسلوب هوائي بحت يقتصر فقط على ما تقبله و تهضمه أبداننا الإجتماعية و الآيدلوجية إن وجدت بتزمت و جهل مما أدى إلى استفشاء أمراض القراءة بشتى صورها و أكبرها فقد القارئ القدرة على تقييم المادة المقروءة و تحليلها و تشخيصها و قبولها ممن يطرحها كونه وافق النفس و الهوى و التوجه فقط ليس إلا، فعملية القراءة لدى العموم الأغلب عملية ناقصة
يتبع
جميل
ReplyDeleteومهم التساؤل الذي طرحته: "هل المطلوب هو خوض كل بحور العلم والإطلاع عليها"؟
والناس في هذا بين الإفراط والتفريط، فهناك من يبحر في كل العلوم بصورة عائمة دون أن يركز على شيء ليخرج منه بفائدة، وهناك من حصر نفسه في مجالات محددة وحرمها من أشياء أكثر فائدة
شكرا على الطرح القيم
إخوتي أخواتي
ReplyDeleteشكرا لكم جميعا على الإثراء و الإطراء
أسعدني تواجدكم و أسعدتني تحاليلكم
لكم من أسمى صور العرفان و الشكر
Manal
ستصلكم إن شاء الله أختنا الجليلة في أقرب وقت ممكن
دمتم و الأهل و الأحبة برعاية الله