قال الإمام زين العابدين يوماً لأصحابه:"إخواني، أوصيكم بدار الآخرة، ولا أوصيكم بدار الدنيا؛ فإنكم عليها حريصون وبها متمسكون، أما بلغكم ما قال عيسى بن مريم للحواريين، قال لهم: الدنيا قنطرة فاعبروها ولا تعمروها، وقال: أيكم يبني على موج البحر داراً، تلكم الدار الدنيا فلاتتخذوها قرارا"

Tuesday, June 15, 2010

القراءة -اهتمام

تم التعرض سابقا لمفهوم القراءة و تم التوصل لخلاصة واضحة و هي أن مجتمعنا على النحو الأعم لا الأخص في هذا المقام أنه مجتمع تطغى عليه صفة الجهل في القراءة بحيث تغيب بمفهومها الدقيق عن كونها سمة لأفراده، فقراءة الكلمات و الجمل و الفقرات بل حتى المجلات و الكتب ليست بقراءة بالمفهوم العقلي ما لم يترتب عليها أثر فكري أو علمي
و هنا أسلط الضوء على بعض الأمور بشكل أقل ما يوصف بسريع أو دون الملخص حتى و أوعز \الك لضيق المقام المكاني و الزماني بل حتى العطائي، بل أذهب حتى إلى التخصصي، لأن المسألة من وجهة نظري الحقيرة المتواضعة محل بحث أرجوا أن يصبه أهله من أصحاب أحرف ال "د." و "الغتر المنشاة" من وراء مكاتبهم الأنيقة و كراسيهم الفخمة في أقسام علوم الإجتماع و النفس و قسم التربية و التعليم في ما يسمى اصطلاحا بجامعة الكويت و الخيئة العامة للتعليم التطبيقي بدلا من الإنشغال بانتخابات أعضاء هيئات التدريس و لجانها و المطالبات المستمرة بالزيادات و الكوادر
أقول
مررت بموضوع طرحه الأخ العزيز الزميل فريج سعود ذات مرة و كان عبارة عن عرض لعينات محدودة جدا و لكنها تمثل بشكل دامغ السواد الأعظم من اهتمامات قراء الصحف و سأتجاوز هنا لأشمل بها القراء بدائرة أوسع من فئات عمرية مختلفة، قد يشكل أحد ما بالقول بأن بناء رأي أو الإتيان بخلاصة تستند على مساحة محدودة من المعطيات لا يبني قاعدة، و لكن لو ربطنا هذا بمعطيات الجهاز الإعلامي و الدور الإجتماعي الغائب للمؤسسات التعليمية و نظام مراقبة و تنقيح الكتب و تصاريحها و مخرجات التعليم و تحليل الهوية الفكرية العامة للمجتمع و فوق ذالك كله تعمد تهميش  العقل  المنتج في المجتمع و كبح جماح ابداعه و الحرص على التقليد الثقافي العقيم الذي يساهم بموازنة قوى معينة من مصلحتها إن تتوالد الشرائح الإجتماعية دون هوية فكرية أو عقلية حتى لا تقيم النظام الفكري العلمي الأصولي و تتمرد عليه، إن تمكنا من دراسة هذه المعطيات بشكل تحليلي دقيق لاستطعنا أن نصل إلى هذه الخلاصة و هي أن شبابنا أمي ثقافيا و علميا و طاقته كلها مستهلكة في سخافات حياتية لا قيمة لها، و انحراقات فكرية بمختلف أنواعها
عندما تكون أكثر مادة مقروءة في صحيفة ما هي على سبيل المثال لا الحصر من قبيل " إصابة أحلام بفيروس نادر" يقف عندها المتابع ليحلل بأن المتابعة مثلا كانت لمعرفة نوع الفيروس و خصائصه الحيوية و تفاعله الكيميائي مثلا مع الخلايا الحية أو طبيعته امثلا، و لكن جل التركيز على الأرجح ينصب في بعد لا يتعدى أن مغنية مصابة بفيروس قد يكون اسمه كذا كخبر أو معلومة تدخل في محادثة أو رسالة نصية عبر الهاتف أو ايميل ، لأن ذالك يمكن ربطه مع ما قد نجده في معطيات الأجهزة الإعلامية التي تتابع ما جرى على أنف المغنية الفلانية و فستان الممثلة العلانية و زواج الإعلامية كذا، و قد فاق الأمر ذالك حتى أستبدل الساسة و علماء الفلسفة و الإجتماع و علم النفس و غيرهم بالممثلين و المغنيين ليدلوا بآرائهم التي يتبناها الكثيرون، العجيب أن تسمع من شخص مثلا يقول بأن ممثلوا هوليوود يقومون بذالك و يتناسى الفارق في الدرجة العلمية ما بين شخص تلقى تعليما أكاديميا و اطلاعا و بين شخص لا تتعدى معلوماته العلمية عن النص الحواري المكتوب من شخص ما، شعب تهمه شفاه فلانه و تسريحة فلان و كيف فقدت فلانة ذالك الوزن الرهيب و كيف نمى فلان عضلاته شعب لا يرتجى من ورائه مستقبل علمي أو فكري
صورة أخرى من صور النسيج الفكري هم من اعتادوا على مبدأ تعلم نطق الحروف بتشكيلها و ما يلقنه المدرس في الفصل حتى أصبح جامعيا ينظم جدوله بطريقة تكفل له تناول وجبة الإفطار في مطعمه المفضل و تسليم موضوع البحث لأحد محلات "بحوث لجميع المواد" التي يدفع ثمنها لمحل ما ليحملها إلى دكتور المادة حتى يصبح مآلها سلة المهملات، و من ثم ينخرط في العمل الطلابي فالنقابي فالسياسي و ينظر و يصرخ و يطرح قلسقات و أطروحات سياسية و اقتصادية و علمية جاهلة سخيفة و لكن انتماءه الإجتماعي يكفل له أن يقف له الآلاف المؤلفة مصفقة تقول "و الله بطل" " و الله يقول الحق" و هم مثله و من نفس السنخية على الأغلب و ليس الأعم، تتلقى كلاما تمضغه فتستسيغ طعمه فتلوكه حتى تهضمه دون أن يكون للعقل دور في كل هذا، بل الهوى هو القوة المحركة الوحيدة، مجتمع هش كلمة من شخص تلهبه و تقلبه عن بكرة أبيه، كائنا من كان المتكلم وطرحه، الذي على الأعم الأغلب طرح غير بناء و بأسلوب غير علمي و المضحك المؤلم في نفس الوقت أن هذا الفكر يسوق له بين شرائح المجتمع سواء بالتأثير السلبي و أعني هنا الإثارة ضده أو الإيجابي و أعني هنا التأثر به
نسمع كثيرا عن مصطلح "الإعلام الفاسد" ، و على الإغلب ممن هم أفسد من الإعلام الفاسد نفسه، و قد يتساءل البعض عن علاقته بالقراءة، هناك تعبير بلاغي يستخدم في حالة تحليل الأحداث و هو استخدام كلمة "قراءة" الحدث، الحدث ليس مادة مكتوبة، بل فعل مرتبط بفاعل و بزمان و مكان و سبب و نتيجة، و لكنه يقرأ من باب التحليل العقلي، أي محاولة ربطه بمعطيات فكرية أو علمية تفنده و تحلله لعناصره و عوامله الأولية حتى تتم معرفة طبيعتيه التأثيرية و تبعاته، أول صورة من صور الإعلام الفاسد هو إعلامنا الرسمي، لأنه يخضع لأهواء و ليس أفكار، يسير بحسب رغبة من يخشى وزير الإعلام استجواباتهم و يفتقر أقلة عندي مصداقية الطفل الصغير، لأنه بدون هوية فكرية، أما الإعلام الخاص فهذا آفة الآفات، إعلام "كم بلغت أرباح السنة" دينه و ديدنه الدينار، و سلوكه بني على الغاية تبرر الوسيلة، و عرف طريق الوصول لألباب الشباب، برامج عقيمة سخيفة قائمة على الفن و أهله، و على الجنس و توابعه، و اللجوء إلى "هراء" سياسي يشغل أوقات الناس و يستقطب من لم يتم استقطابه
سؤال أتوجه به إلى نفسي أحيانا، لماذا تحتاج الدولة إلى رقابة على الكتب التي تدخل البلد، هل يقوم هذا العمل على أساس محاولات وقائية لتجنيب النشأ و المجتمع بصورة أعم أفكارا هدامة مثلا تغير من صفوه و تلاؤمه أ, تنخر بدنه الثقافي؟؟ إن كان السبب هو ما سلف فتعسا لهكذا فكر، نحن ندخل الشبكة العالمية و نرى الكثب من كل مضرب و مشرب، لكل ملة و نحلة علمية و فكرية و عقدية بحقولها و أنواعها، ، أما السبب الحقيقي برأيي هو الإعتقاد بامكانية التحكم بنوعية الفكر الذي قد يستقبله القارئ و خلق هوية عقلية للقارئ تستهجن و تلغي كل فكرة لم "تلقى" عليه من أي سلطة كانت، سواءا سياسية أو فكرية، بهذا مورس الحجر على الفكر و أصبح التحكم به سهلا، تماما كحيتان "سي وورلد" و دلافينه، تسبح و تتشقلب و تأخذ السمكة و تتلقى التصفيق ، كل هذا وفق صفارة المدرب و في ضمن نطاق حوض محدود المسافة لا محيط ترسل الأبصار و لا تدرك نهاية أفقه، مجتمع يتعلم من كتاب الأعمدة و الصحف و خطابات أعضاء مجلس الأمة و الندوات الممتزجة بالمصالح السياسية، مجتمع تعلم على تلقي معلومة دون تحليل أو نقاش، مجتمع أحادي المصدر مستهجن للفكر المخالف و إن صح، لا يتابع العلوم إطلاقا و يتابع التكنولوجيا عن طريق إكسسواراته الشخصية من هواتف و غير ذالك، مجتمع تعود على البلادة في العطاء، فإذا كان السواد الأعظم لشرائح المجتمع بهذه الصور التي رأيناها و ما زلنا نراها فرداءة الحال أمر طبيعي و متوقع


أقف هنا، و ألجم حصانا جامحا و أترككم مع


في رائعته 'انطونيو وكليوباترا' تناول أمير الشعراء أحمد شوقي معركة أكتيوم من منظور نقد الدعاية السياسية المضللة، ولكن هذه المرة ضد كليوباترا وعشيقها اللذين حاولا، على الطريقة العربية، تصوير هزيمة أكتيوم على أنها نصر مؤزر، وجعلوا الشعب معتز بنفسه فرحا محتفلا بانتصار زائف لأسطوله، سهل الانقياد سريع التصديق لكل ما يقال ، و في حوار بين اثنين يقول شوقي


أنظر الشــعب أخانا كيف يوحون إليــه

ملا الجو هتافـــــا بحياة قـاتليـــه

أثر البهتان فيـــــه وانطلى الزور عليــه

يـاله من ببغــــاء عقله في أذنيــــه



الدعاية لها الصور كلها و وليست السياسية فقط

3 comments:

  1. موضوع رائع جدا

    سلمت يداك أخي الكريم

    ReplyDelete
  2. Angel Heart

    عافاكم الله أختي الفاضلة

    أختي، طرح الحلول يبدأ بخلق بيئة ذهنية و أخلاقية و فكرية تتقبل الحل، لأن الحلول ستكون
    أفكار طارئة أو هجينة على المجتمع، و بالتالي يجب أن تكون البداية ذاتية و تتسع تدريجيا بالتأثير حتى تشمل نطاقا أوسعا في المجتمع

    بكل بساطه

    لا زراعة في أرض بور، يجب إصلاح الأراضي قبل الزراعة، كيف؟؟؟ أهل الإختصاص الحقيقيون ،و ليس أهل الإعلام و الشهرة و السيارات الفارهة و الرواتب و المسميات، يعلمون

    متى ما أصبحنا نقول، " نعم أنا على خطأ" سنخطوا خطوة للأمام

    سوء الأوضاع يخدم ناس كما يضر آخرين، و استمراره من استمرار بقائهم، و هم في كل طبقات المجتمع

    دمت و الأهل و الأحبة برعاية الله

    ReplyDelete