
الشعور بنشوة النصر شعور عظيم تهيج معه مهج الأنام، و تفرح به حتى الأنعام، و لكل منا صورة يرى فيها النصر، فالتاجر يرى الربح في تجارته نصرا، و الفارس يرى في هزيمة نده نصرا، و العالم يرى في نتائجه نصرا، و هكذا، و الجدير بالذكر هنا أن النصر لطرف يكون دائما مقترن بهزيمة طرف آخر، فلا بد من وجود نوعا ما من الخسارة لطرف حنى تترجم كربح لطرف آخر، و لكن متى يكون الخاسر رابحا و الرابح خاسرا؟؟، استفهام برد إلى ذهني بين الفينة و الأخرى و أتفكر به و أحاول بعقلي المتواضع تحليله، و للوصول للإجابة ارتأيت تحليل السؤال إلى ثلالث عناصر هي
طرفا الإلتحام
القضية محل النزاع
الميدان
و بذالك تكون النتيجة معقولة على الأقل كما يراها عقلي المتواضع
و من خلال ذالك رأيت بأن شرط صحة الإستفهام يتحقق عندما يلتحم المرء في معركة مع نفسه بكل طاقته و عدته و كل طاقاتها و عدتها بحيت يتنازع الطرفان على قضية محل استحسان أو استهجان النفس (نفس لوامه أو نفس امارة بالسوء) و ميدان ذالك الإلتحام هو الحياة، تثار فيها أضرى المعارك و أشرسها، و متى ما انجلت غبرة ذاك الصراع وقف الجسد إما ضاحكا متبسما أو حزينا دامعا، فالفرح و الحزن هنا مقترن أحدهم بطبيعة النفس و درجة سيطرتها على العقل و القلب ، و من خلال ذالك نرى انتصار النفس هو خسارة فعلية لصاحبها إن كانت أمارة بالسوء و العكس يصح إن كانت لوامه، و لا انتصار أعظم من انتصار لما يرضي الله مقابل كبر ابن آدم
ذات مرة، قصدني أحد عمال النظافة في مقر عملي عندما كنت في الكويت و هو يرتجف خوفا و ارتباكا و طلب مني أن أصاحبه لأرى أمرا ما، و عندما فعلت رأيته يقودني إلى خارج المبنى باتجاه الحديقة حيث رأيت زميله واقعا على الأرض وهو يئن أنينا شديدا و الدماء تسيل من كفه بغزارة و آلة قص الحشائش تعمل بالقرب منه، فسألته عن الأسباب فأجابني الرجل الذي قصدني بأن زميله كان يقص الأعشاب و لكن الآلة توقفت لتجمع الحشائش بين أسنتها بكثرة فأراد إزالتها فأزالت الآلة اصبعان من أصابعه اللذان كانا ملقيان بالقرب منه، فهرولت مسرعا إلى الإدارة حيث رأيت جلالة و عظمة المدير واقفا و حوله بوتقة من "العجافة و الجمبازية" فتوقف و أخبرتهم بما رأيت و هرول الجميع إلى موقع الحادث، و بدلا من تخفيف آلام الرجل، لم أسمع إلا "انت اشلون تسوي جذي" " انت أثول؟" " ما اتفكر" فأصابتني حالة من الضجر اقتادتني بقوة تجاه سيارتي اللتي صاحب صوت توقف إطاراتها التفاف أعناقهم ناحيتها، فحملت الرجل الملقى على الأرض و طلبت من زيله الركوب و هرعت إلى أقرب مستشفى
عندما كنت جالسا في المستشفى أتاني زميل الرجل المصاب و طلب مني البقاء معهما لأن مندوب الشركة سيأتي حتما و سيتم توبيخ الرجل المصاب و سلب حقه و معاقبته فأجبته، و بينما أنا جالس أراقب اقتياد الرجل ناحية غرفة العمليات و إذا بالمندوب قد حضر، يخاطب الرجل المصاب بكل استهزاء و تحقير و لوم، فثارة ثائرتي و ذهبت ناحيته و قلت له: من أنت؟، فرد علي السؤال، فقلت أنا الذي أحضر هذا الرجل، فقال، المعذرة على جرك لموقف كهذا و لكنه (أي الرجل المصاب غبي) اذهب إلى عملك و سأتابع الموضوع، فرفضت و قلت له، ألست من البشر يا هذا؟ ، لم لا تراعي آلام الرجل؟ فقال: و من انت حتى تكلمني بهذه اللهجة، الأمر لا يعنيك و لا دخل لك به و نحن سنجازيه على اهماله و من الأفضل لك أن تنسحب من الموقف (وكان يخاطب مدير عام الشركة على الهاتف) ، فقلت: شوف مو انت و لا اللي كنت تكلمه بالتلفون، قول له يقول لك فلان الفلاني "اللي ما تطوله بيدك واصله بريلك، شعره من هالريال ما تجيس و ايدك و ايده أكسرهم إن شفت واحدكم مقرب صوبه" فتركته و ذهبت إلى مكتب المحقق و عرضت عليه الموضوع بحذافيره و نصحني بالذهاب إلى أقرب مخفر بعد خروج العامل من العمليات و تقديم بلاغ إصابة عمل على الفور،فشكرته بعمق وطبقت كل نصائحه و فعلا قمت بكل ما أرشدني لفعله و أعانني الإخوة في المخفر الذين أسأل الله أن ينير دروبهم و يحفظهم من كل سوء، و رفعت قضية ضد الشركة و كانت ثمرتها أن حصل العامل المسكين على مبلغ لا بأس به تعويضا عن إصابة و عاهة دائمة " فقد اصبعين" ما كان ليحصل عليه لو بقي يعمل في الكويت 20 سنة و ذهب إلى بلاده معززا مكرما و يحمل في يده بما تبقى بها من أصابع ثروة لعياله و أهله تكفل لهم عيشا هنيئا إن شاء الله
كانت هذه إحدى المواقف التي شعرت بها بحلاوة النصر على من التم حول المسكين حين وقع و على من أراد أن يسلبه حقه